هل يمكن أن تستثمر جمعيات الثقافة والفنون مقراتها وتطور مواردها المالية ذاتيا؟ لتسد عجز ميزانياتها المتقشفة في الأساس.. وهل يمكن أن تقيم الجمعية بعض الأنشطة التي تخصص لانعاش دخولها؟.. دون أن تخل بالهدف الأول وهو دعم الثقافة والفنون في المجتمع, في زمن فرضت فيه التحولات الاقتصادية ضرورة التفكير في إيجاد حلول للمشكلات والعوائق التي تواجه كل نشاط أو عمل ثقافي جاد.معوقات وحلول بداية يرى رئيس الجمعية السعودية للثقافة والفنون السابق، المسرحي عبدالعزيز السماعيل أن هذا ما كان يجب الاهتمام به منذ البداية في تسعينيات القرن الهجري الماضي عندما تم الاعتراف بأول الجمعيات آنذاك والمفترض اننا قطعنا شوطا مهما في تنمية موارد الجمعيات ذاتيا، وتأسيس نظام استثماري ناجح، إضافة الى دعم الدولة أسوة بالجمعيات المماثلة في الدول الأخرى المتقدمة، إلا أن النُظم البيروقراطية التي مرت على إدارة الجمعية وغياب البنية التحتية الضرورية جدا وهي الأهم للاستثمار إضافة الى نظرة المجتمع والمثقفين والفنانين لها جعلت ذلك صعب الان". ورأى السماعيل، أن جمعية الفنون الشعبية التي تأسست في الاحساء عام 1991ه قبل جمعية الثقافة والفنون قد بدأت وانطلق عملها كمؤسسة أهلية معتمدة على مواردها الذاتية، وكانت قابلة للاستمرار والتطور على هذا الأساس لولا أن الدعم الحكومي الذي جاءها بعد الاعتراف أحبط العزم في الاستمرار على هذا المنوال. مضيفا: "وإذا كان لا بد من ذلك الان في الظل استمرار ضعف الموارد لا بد من نظام جديد يسمح لها بانتخاب مجالس إدارتها، وتحديد رسوم عضويتها، إضافة الى دعم الدولة لها من خلال وزارة المالية مباشرة كما هو الآن، ليفهم الناس وجميع المشتغلين والمتعاونين في الجمعية أنها مؤسسة أهلية وليست دائرة حكومية كما تأسست وهذا مهم جدا, وزاد: "في ظني ان النجاح سيكون حليفها في كل الفروع وان كان متفاوتا بسبب ظروف كل منطقة.. لكنه سينجح بالاعتماد على محبي الجمعية والثقافة والفنون". شح المخصصات ورأى الكاتب الصحافي ميرزا الخويلدي "أن الحديث عن الثقافة والفنّ لم يَعُد ترفاً، باعتبارهما ضرورتين لتكوين الوعي، وصناعة البهجة وخلق مجتمع سعيد". مضيفا: "ما لم يتم تفعيل دور الثقافة والفنون، ودعم الجمعيات المسؤولة عن هذا القطاع، سنبقى نتساءل دون جواب: أين يذهب الشاب هذا المساء..؟ إذا لم يجد وسائل الترفيه الممتع، ومراكز الثقافة، وصالات العروض الفنية والتشكيلية والمسرحية والاستعراضية". وأشار الخويلدي إلى أن المشكلات التي تواجه هذا القطاع تتمثل في شح المخصصات حيث لا يمكن انشاء بنيّة تحتية للثقافة والفن والأنشطة المصاحبة، ولا يمكن إنشاء اكاديميات ومسارح وصالات عرض واقامة ندوات وورش العمل، واحتضان التجارب الفنية وتطويرها. ونبه الخويلدي، إلى أننا ما زلنا في بداية الطريق، ومازال هذا النشاط غريباً في بلادنا، وبالتالي سنحتاج إلى وقت طويل قبل أن يحظى هذا القطاع بالقدرة على الاستقلال المالي، أو الحصول على رعاية مالية مجتمعية من خلال التبرع أو الوقف الخيري". المنتج الفني بلا أضرار من جهته رأى مقرر لجنة الموسيقى في جمعية الثقافة والفنون الفنان سلمان جهام أن الجمعيات عندما كانت تعتمد على الدعم كانت تقدم أنشطتها في حدود المعقول من هذا الدعم حيث لم يكن لها ميزانية فَلَو كانت لها ميزانية لكانت الأنشطة أقوى وأكثر، لذلك رأت الادارة العامة للجمعيات التفكير خارج هذا الصندوق, ولولا التمويل الذاتي لما قامت بعض الأنشطة، مثل مهرجان الدمام للأفلام السعودية، ومهرجان بيت الشعر. مشيرا إلى أن الجمعية قامت فعلاً باستثمار بعض المرافق وفق الأنظمة المتاحة لها بالشراكة مع بعض المؤسسات والشركات. وأكد أن الجمعية تستطيع استثمار المرافق إذا أتيح لها ذلك، مقترحا ان يقوم القطاع الخاص بخطوة جريئة من خلال دعم الأنشطة الثقافية والفنية، فلدينا المسرح وطاقاته الفعالة، ولدينا الموسيقى بكوادرها، ولدينا الأفلام بإنتاجها، وهذا فضاء واسع للقطاع الخاص للاستثمار فيه، منوها إلى انه لا يوجد أضرار من المنتج الثقافي والفني اذا ما تم استخدامهما لخدمة الذوق والرقي عند المتلقي. الخصوصية الاجتماعية أما المخرجة السينمائية هند الفهاد، فترى أن وجود خطط وموارد مالية غير الموارد المادية التي يتم توفيرها من الجهات الرسمية ضروري جداً.. مضيفة: "هنا تأتي ضرورة تنويع الفعاليات واستحداث مصادر للأرباح يتم تدويرها للجمعية. مبينة أن الأنشطة المجانية عادةً تكون أقل جودة ولا يتم تصميمها بطريقة تحفز الفئة المستهدفة للدفع وحضور الفعالية, مؤكدة "صعوبة تقديم اقتراحات لأن كل فرع للجمعية له ظروفه والأفكار التي تتناسب معه والوضع العام الاجتماعي الذي يلائمه.. ولكن لا بد من تصميم فعاليات تغذي وتخدم الاحتياج الثقافي والفني للمجتمع وتكون بمستوى عصري يحترم وعي الأفراد". حلول من الداخل بينما ترى الكاتبة رنا الشهري أنها مع إنقاذ وجود الجمعيات بأي شكل حتى وإن اتخذت الحلول مبادرات وتغذية ذاتية، وقالت: أعني لا بأس أن يأتي الحل من الداخل ومن أوساط المنتسبين لتلك الجمعيات، كونها تقوم بدور تأطيري وتوعوي وتحسيسي هام فلا بد من اتخاذ التدابير الملائمة لتبقى". وأضافت: "النشاط الجمعياتي لا ينبغي أن يخبو، سواء واجه منعطفات مادية أو غيرها، ولهذا ينبغي على المنتسبين إليها والقائمين عليها أن يكونوا دوماً على قدر من الجهوزية لمواجهة المنعطفات ومعالجة الظروف، وزادت: "الأنشطة الربحية التثقيفية وورش العمل الفنية عبر برامج قيّمة هي مجدية، وأن تتحول الجمعيات إلى نقطة تجمع مركزية للالتقاء والتواصل وتبادل الآراء الثقافية والفنية بين الناس أمر جيد، فهناك فئات مجتمعية مستعدة لأن تشارك وبالتالي تساهم مادياً، المهم أن تكون الجمعيات حاضرة اجتماعياً". ورأت الشهري أن الميزات هي في كون العوائد المادية ستُسهم ولو قليلاً في دعم النشاط الثقافي في ظل أزمة الميزانية, منوهة إلى أضرار قد تحدث، منها أن العمل الثقافي والمعرفي قد يكتسب صبغة تجارية إذا ما استمر الحال معتمداً على الربحيات واتّسع بمبالغة، وليس هذا هو نهج الجمعيات ذات الطابع الثقافي عموماً". الاستثمار في مبانٍ مستأجرة أكد الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالله المغلوث "أن جمعيات الثقافة والفنون تمر بأزمات مالية وتراجع في الأنشطة والفنون، ولا يمكن أن تجد تلك الجمعيات بدائل في تنمية ميزانياتها الا من خلال تنشيط وتفعيل المسرح والثقافات وغيرها حتى تأتي بثمارها", مبينا: "أنه لا يمكن استثمار تلك المرافق لانه ليس لها وجود فمعظمها مبان مستأجرة وليست مرافق حكومية ما عدا مبنى جمعية الرياض.. وأشار المغلوث إلى "أن الجمعيات بدأت بأربع وأصبحت 16 جمعية، وحتى يكون لتلك الجمعيات إرادات لا بد من زيادة الطلب وانتاج الفعاليات والعروض في الثقافة والفنون، وأن تعمل وفق خطة تنموية اساسية وان تخلق شراكة مع القطاعات الأخرى مثل شركة ارامكو وسكيكو وسابك وتعدين والخطوط السعودية، لتساعد في تنفيذ البنى التحتية وتنفيذ مشروعاتها بالشكل المطلوب", مضيفاً: "نحن بحاجة أن تمنح بعض الجهات الحكومية مواقع للجمعيات على ان يقوم القطاع الخاص ببنائها واستثمارها عبدالله المغلوث:لا يمكن استثمار مبان مستأجرة السماعيل: الدعم الحكومي أحبط محاولات الاستثمار جهام: القطاع الخاص تنقصه الجرأة رنا الشهري: الربحيات تسلب الطابع الثقافي الخويلدي: هذه الأنشطة غير مدعومة اجتماعياً هند الفهاد: الفعاليات المجانية لا تجذب الجمهور