هل سعمت عن قطة شرودنجر؟ إنها قطة عجيبة غريبة، فهي حية وميتة في الوقت نفسه! أو هكذا تخبرنا التجربة الذهنية التي جاء بها الفيزيائي المجري شرودنجر في عام 1935م، وذلك محاولة منه للكشف عن ثغرة في فيزياء الكم وتفسيراتها السائدة. فيزياء الكم تقول: إن بعض الخصائص الفيزيائية البدهية في حياتنا العامة ليس لها معنى واضح في العالم الكوانتمي وقبل عملية الرصد. مثلاً، عندما ترى زميلك في العمل فإنك تعرف أنه سلك مساراً محدداً في رحلته من منزله إلى العمل. ولكن إذا كان زميلك هذا "إلكترون"، فلا يمكن أن تعرف ما المسار الذي سلكه ليصل إليك، بل إن فيزياء الكم تؤكد لنا أن الإلكترون سلك جميع المسارات المتاحة ليصل إليك! بالنسبة لشرودنجر، فقد أصر على أن تنبؤات فيزياء الكم العجيبة ليست حصراً على الجسيمات الأولية الصغيرة جداً كالإلكترون، والتي ربما يتصور بعضنا أن صغرها وعدم مقدرتنا على رؤية عالمها رأي العين هما السبب في جهلنا بما يدور في عالمها الغريب. شرودنجر رأى أن معادلات فيزياء الكم تسري حتى على الأجسام الكبيرة، كالقطة! فالقطة إذا وضعت في صندوق مغلق وكان داخل الصندوق مادة سامة وعنصر مشع، وكان شرط تحرر المادة السامة هو أن يُطلِق العنصر المشع إشعاعاً من داخله، وهذه عملية عشوائية وتلقائية لا يمكن التنبؤ الدقيق بها، فإن القطة تكون في حالة حياة وموت في الوقت نفسه في نظر معادلات فيزياء الكم. وهذه الحالة تسمى حالة تراكب كوانتمي. ولا يمكن لها أن تتخذ حالة واحدة إلا بعملية الرصد. فيزياء الكم تقول: إذا أردت أن تتنبأ بسلوك نظام كوانتمي فعليك أن تأخذ كل الاحتمالات داخل حساباتك الفيزيائية وإلا فإن تنبؤاتك ستكون خاطئة. سرعان ما تبين أن قطة شرودنجر ليست تجربة ذهنية وحسب، بل إنها تحاكي الواقع. تحديداً، استطاع العلماء أن يؤكدوا حالة التراكب الكوانتمي في الذرات، والجزئيات وهي أنظمة كبيرة مقارنة بالجسيمات الأولية، ولكنها تظل أنظمة أصغر من القطة التخيلية! من التجارب الحديثة التي استخدمت "مفهوم" قطة شرودنجر هي تجربة من معمل SLAC الأميركي، إذ قام الباحثون بدراسة سلوك جزئيات من غاز، وقاموا بتصوير تلك الجزئيات في حالتها المثارة فيزيائياً بتفاصيل دقيقة وغير مسبوقة. وهو إنجاز مهم لأن فهم سلوك الجزئيات مهم لكثير من علماء المواد والمركبات والنانو. عجائب فيزياء الكوانتمي لا تنتهي! وقطة شرودنجر هي فكرة "مجنونة" عندما طُرحت، ولكنها فكرة مهمة سنجدها في قلب تطبيقات كوانتمية تخدم الإنسان في المستقبل القريب.