خالد بن عبدالرحمن الشايع الحمدُ لله وصلَّى الله وسلم على نبيِّنا محمَّد، أما بعد: فقد اطلعت على مقال منشور بجريدة الرياض يوم الجمعة 27 جمادى الأولى 1438 ه - 24 فبراير 2017م العدد 1573133 بعنوان: الوجه غير المتوقع لسكان الكون، لكاتبه الأستاذ فهد عامر الأحمدي. وجاء فيه قوله: نصوص شرعية تستعير المواصفات البشرية لتقريب المعنى للسامع - مثل قوله تعالى: (يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) [المائدة/64] والحديث الصحيح (القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن). أقول: قول الكاتب في شأن صفة الله تعالى خاطئ، ومخالف للاعتقاد الصحيح الذي قرَّره نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والصحابة والتابعون لهم بإحسان. وقول الكاتب يقتضي تحريف النص القرآني عن معناه الصحيح، ويؤدي إلى تعطيل صفات الله، والنُّزوع إلى تشبيه الله بخلقه، تعالى الله عن كل ذلك علواً كبيراً. فالنصوص من القرآن والسُّنة التي تضمنت صفات الله سبحانه لم يُقصد بها الاستعارة ولا المجاز ولا غيرهما مما يصرف المعنى عن حقيقته، بل المقصود بها ومقتضاها إثباتُ تلك الصفات لله على وجه الكمال والجلال، مع تنزيهه تعالى عن مشابهة المخلوقات، فصفات الله تعالى وتقدس التي جاء بها القرآن والسُّنة يجب إثباتها لله من غير تحريف ولا تمثيل ولا تشبيه ولا تكييف ولا تفويض ولا تعطيل، هذا هو القول الحق الذي كان عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه وأتباعُهم من أهل السُّنة والجماعة. قال العلامة الحسين بن مسعود البغوي الشافعي (ت 516ه) رحمه الله، بعد أن ذكر بعض صفات الله تعالى في كتابه شرح السُّنة، قال: فهذه ونظائرها صفاتٌ لله عزَّ وجَلَّ، وَرَدَ بها السمع، يجب الإيمان بها، وإمرارُها على ظاهرها، معرِضاً فيها عن التأويل، مجتنباً عن التشبيه، معتقداً أن الباري سبحانه وتعالى لا يشبه شيءٌ من صفاتِه صفاتِ الخلق، كما لا تشبه ذاتُه ذوات الخَلق، قال الله سبحانه وتعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى: 11]. انتهى. وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: والعبارة الجامعة في باب التوحيد أن يقال: إثباتٌ من غير تشبيه، ونفيٌ من غير تعطيل قال الله تعالى: (لَيْسَ كمثْله شيءٌ وهُوَ السّميعُ البَصيرُ) [الشورى: 11]. والعبارة الجامعة في المتشابه من آيات الصِّفَات أن يقال: آمنتُ بما قال اللّه تعالى على ما أراده، وآمنت بما قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على ما أراده. انتهى. فعلم بهذا أن صفات الله تعالى لا تُماثِل صفات الخَلق. فإن الله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا صفاته ولا أفعاله، فلا يقاس بشيء من بَرِيَّتِه، ولا يدرك بقياس، ولا يقاس بالناس، والقاعدة في هذا: إثبات بلا تشبيه، وتنزيه بلا تعطيل. وأما الآية الكريمة التي أوردها الكاتب وهي قوله تعالى: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) [المائدة/64] فهي أحد الأدلة التي استدل بها أهل السُّنة والجماعة على أن لله تعالى يَدَين، على ما يليق بجلاله وكماله سبحانه، مع تنزيهه جلَّ وعلا عن مشابهة شيءٍ من خَلْقِه، فمعنى أن لله يدين معلومٌ باللغة، ولكن كيفيتهما غير معلومة لنا لأن الله لم يخبرنا، كما قرر ذلك أئمة العلماء ومنهم الأئمة المتبوعين المشهورين أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله جميعاً. وأما الحديث الشريف الذي أورده الكاتب أيضاً فقد رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهم أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلِّبها كيف يشاء"، وله شاهد في صحيح مسلم من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه. وهو أحد أدلة أهل السُّنة من الصحابة وتابعيهم في إثبات صفة الأصابع لله تعالى على الوجه اللائق بجلاله وكماله سبحانه، مع تنزيهه عن مشابهة خَلْقِه أو تكييف ذلك. والمقصود: أن مما تنبغي الدقة فيه: مسائل العقيدة، ومن أشرفها: ما يتعلق بالأسماء الحسنى والصفات العُلى لله تعالى وتقدس. وأسأل الله أن يوفقنا جميعاً لما فيه رضاه، وأن يفقهنا في دينه، ويرزقنا العمل بكتابه وبسنة نبيه محمدٍ عليه الصلاة والسلام. *الأمين العام المساعد للهيئة العالمية للتعريف بالرسول صلى الله عليه وسلم ونصرته