زارتني في مكتبي سيدة قبل عدة سنوات لاستشارتي في موضوع لم تكن تعرف كيف تتصرف به. كانت سيدة مُتعلّمة، ومن الطبقة فوق المتوسطة. المشكلة كانت أنَّ أبنها الذي أكمل عامه العاشر، لديه مشكلة وهي أنّه لا يستطيع الانفصال عن والديه، وعلى وجه التحديد والدته. تقول هذه السيدة إنّ ابنها متفوّق في الدراسة وكذلك هو طفل سعيد، محبوب من قِبل أفراد العائلة وكذلك أقرانه، سواء كانوا زملاءه في المدرسة أو من الأقارب والجيران. الطفل لا يستطيع أن يذهب إلى المدرسة إلا بعد أن يتأكد من أنَّ والدته لن تغادر المنزل، ويحاول أن يجد أي عذرٍ لكي يتغيّب عن المدرسة، لكن كانت والدته صارمة في هذا الأمر، برغم تعاطفها الشديد معه، فهو الأقرب لها من بين أطفالها الخمسة؛ ثلاثة أبناء وابنتين، لكنها ليست مرتاحة وكذلك تشعر بالقلق بأنَّ هناك شيء غير طبيعي في حالة ابنها. كان هذا الابن يُريد أن يُشارك والديه غرفة النوم، لكن والديه كانا صارمين في هذا الأمر ولم يسمحا بذلك. كان الطفل يستيقظ في منتصف الليل ويأتي إلى غرفة نوم والديه ليتأكد من أن والديه على قيد الحياة؛ يتنفسان ويُصغي لضربات القلب عند كلٍ منهما. حاول الوالدان أنْ يمنعاه من فعل ذلك ولكنه كان ينهار عند منعه من فعل ذلك. لا تستطيع الوالدة أن تخرج من المنزل دون أن يكون هذا الطفل معها، حتى وإن لم يكن يشاركها الزيارة بالمعنى الكامل، بل يكتفي بأنْ يجلس في مكانٍ يرى والدته ويسمع صوتها، وأحياناً يضع هذا الأمر الوالدة في وضعٍ حرج. شرحتُ للوالدة أنَّ هذا اضطراب يُعرف باضطراب قلق الانفصال؛ وهو عبارة عن قلق وتوتر شديدين يحدثان لدى الطفل عندما يشعر بأنَّه سوف يفترق عن عائلته أو عن الشخص الذي يشعر بارتباط شديد به، والذي غالباً ما يكون الوالدة أو أحد أفراد العائلة القريبين من الطفل. الأمر الآخر وهو القلق والخوف الشديد لدى الطفل من أنْ يفقد الشخص الذي يشعر بتعلّقٍ به، وكذلك الخوف من أنْ يمرض هذا الشخص أو أن تُصيبه أي مشكلة تمنعه من أن يكون معه. مثل أن يتم اختطافه أو أن يحدث له حادث أياً كان نوعه تمنعه من البقاء بالقرب منه. الرفض غير المُبرر من الطفل للخروج من المنزل والحاحه أنْ يكون بالقرب من الشخص أو الأشخاص المتعلّق بهم، كذلك رفض الطفل بشكل قاطع أن يبقى وحيداً في المنزل دون الشخص الذي يعطيه الشعور بالأمان. أيضا رفض الطفل أنْ ينام خارج المنزل مهما كانت الأسباب التي تستدعي أن ينام خارج المنزل، وكذلك معاناة الطفل من أحلام مُزعجة وكوابيس تتعلّق بالشخص أو الأشخاص المتعلّق بهم، وأيضاً الشكوى الدائمة من أعراض مرضية عضوية مثل الصداع، الآم في البطن، أو حتى الاستفراغ كي يبقى في المنزل مع والدته، أو الشخص مصدر الأمان للطفل. تكون هذه الأعراض مستمرة ولأكثر من أربعة أسابيع حتى يمكن تشخيص الطفل بأنَّه يُعاني من هذا الاضطراب. هذا القلق والخوف يُسبب مشاكل وضغوط نفسية حقيقية وعدم قدرة الطفل على القيام بالوظائف التي يُفترض أنْ يقوم بها مثل الدراسة أو عمل الواجبات المنزلية أو الدراسية مثل بقية من هم في عمره، وهذه الأعراض لا يمكن تفسيرها بسبب مرض عضوي حقيقي أو حتى مرض نفسي آخر من التي قد تُصيب الأطفال والمراهقين. في هذه الحالة وعندما يكون الطفل يُعاني من هذه الاضطراب فإنّه بحاجة لمراجعة طبيب متخصص، ويحتاج للعلاج النفسي، وكذلك ربما يحتاج للعلاج بالعقاقير. ويجب على الأهل ألا يأخذوا الأمر ببساطة، ولكن يجب علاج الطفل بأسرع وقت وألا يتأخروا حتى لا تتفاقم الحالة وبعد ذلك يصعب علاجه.