الإسلام الممتد لأكثر من 1400 سنة لم يكرس خلال حقبه التاريخية التوجه نحو الإرهاب والعنف وإنما أشاع بتعاليمه روح المودة والتسامح والتعايش، ولكي نفهم ذلك يجب أن نفصل في تعاملنا بين الإسلام كدين له زخمه في قلوب المسلمين عامة في العالم الإسلامي وبين قلة قليلة من أغيلمة التطرف.. قبل فترة قلت في مقالة كتبتها هنا أن السبب الرئيس في الإرهاب هو القضية الفلسطينية، فمنذ أن أنشئت الدولة العبرية الصهيونية في قلب الأمة العربية الإسلامية لم تشهد هذه المنطقة أي سمات استقرار أو تطور معرفي يذكر. وبما أن الدولة العبرية تمارس الغطرسة الإمبريالية والقمع بحذافيره ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، وتتسلط على مقدرات الشعوب، وتتآمر عليها، فهي أوجدت مناخاً عاماً لعدم الثقة، والسير الطبيعي نحو التعايش. والظلم التي تمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وأيضاً ضد دول الجوار. أصبح مشهوراً ومعلوماً. فما كان يمارس في الظلام وبعيداً عن الجماهير، والإعلام أصبح ينقل لنا بحينه ومباشرة، وعليه فلم يعد هنالك ما يخبأ. وبالرغم من ذلك تصل الغطرسة عند إسرائيل إلى حد أن يمارس جنودها القتل الصريح باسم محاربة الإرهاب، ما أريد قوله إن جميع ممارسات الظلم التي تحدث ضد الشعب الفلسطيني وجميع ممارسات السياسات المتعثرة الهادفة إلى السلام، كل هذه الأشياء حدثت وتحدث تحت مرأى جيل كامل. نشأ معاصراً للقضية الفلسطينية منذ سنة 1948 م مروراً بعام 1967 م -وهو عام النكسة- إلى سنة 1973 م وهو عام -العبور- واسترداد سيناء إلى أن ندخل حقبة الثمانينات حتى هذه الساعة، وما ميز هذه الفترة المتأخرة في الألفية الجديدة هو التطور السريع في تقنيات التواصل، بمعنى آخر لم تعد المعلومة خافية ولم تعد الصورة غائبة، فأدلة الإدانة أصبحت تصل للمتلقي العادي، والمتلقي العادي هو في الآخر إنسان يتأثر وينتظر الحلول لهذ المشاكل، ويرى بأم عينه هذا الظلم البين والواقع على الشعب الفلسطيني والأمة العربية. فما الذي نتوقعه من شباب تأثروا بآراء آباء منظري العنف؟ ولو تأملنا حال هؤلاء المنظرين لوجدنا إنهم فلسطينيو الأصل عاصروا نكبة 1948م. مثل تقي الدين النبهاني (مؤسس حزب التحرير الإسلامي) وقد يقول قائل إن النبهاني لم ينظّر للعنف بل أجل ذلك بخطابه الحركي بعد تأسيسه للدولة الإسلامية وإعادة الخلافة، ولكن ما غاب عن من قال ذلك أن النبهاني في وقته قد أنتج عناصر وكوادر انفصلت عن حزب التحرير، وطورت خطابه نحو العنف. أما الشخصية الفلسطينية الثانية، والتي كان لها تأثير كبير، ومباشر على فكر كوادر العنف في أفغانستان فهو الدكتور عبدالله عزام، ولكن يعلم أن الدكتور عبدالله عزام قد اتخذ من القتال في أفغانستان مرحلة مبدئية للتحول إلى القتال في فلسطين، فهذا الرجل كان له قدره عجيبة على الحشد والتوجيه وكان يتفانى في سبيل قضيته. أما الشخص الثالث فهو أبو محمد المقدسي (مؤسس ومنظّر جماعة التوحيد والجهاد) وهي جماعة تدعوا إلى تعميم العنف الأممي في جميع أنحاء الكرة الأرضية، واعتبر هذا العنف فريضة على كل مسلم، طبعاً هذه آراء متطرفة لم يقل بها أحد من السلف الصالح. وكما نرى هنا فالثلاثة فلسطينيون، وأيضاً الثلاثة قد أدركوا النكسات والإخفاقات في رفع الظلم. إن من يقول إن هذا الإلهام العالمي هو بسبب الخطاب الإسلامي الذي عرفه الجميع وخبره منذ 1400 سنة. فلم ينتج هذا الخطاب أي نزعات تشبه نزعات داعش أو القاعدة. وإنما نشأت خطابات متطرفة وشاذة وتخالف روح التسامح الموجود في الخطاب الاسلامي، وقد رفضها المجتمع مبكراً خصوصاً حينما مارست هذه الفئات العنف وأعني هنا فرق الخوارج والتي لم تستمر لضعف خطابها، فنحن الآن لا نعرف عن هذه الفرقة إلا ما جاء في كتب الأخبار والتواريخ، وعليه فمن ينسب الإرهاب إلى الإسلام وإنه دين بطبيعته منتج للفكر الإرهابي إنما هو يمارس التظليل المعرفي والتخبط التاريخي. فالإسلام الممتد لأكثر من 1400 سنة لم يكرس خلال حقبه التاريخية التوجه نحو الإرهاب والعنف وإنما أشاع بتعاليمه روح المودة والتسامح والتعايش، ولكي نفهم ذلك يجب أن نفصل في تعاملنا بين الإسلام كدين له زخمه في قلوب المسلمين عامة في العالم الإسلامي وبين قلة قليلة من أغيلمة التطرف ينسبون أنفسهم إلى الإسلام، فالتعميم أن فكر التطرف خصيصة إسلامية هو قول غير موضوعي وغير علمي، ولا أريد هنا أن أذكر ما فعله رجال الدين المسيحيون أو اليهود، فتاريخ الأفراد المنتمين للأديان اتفق معرفياً أنها لا تنسب كخصائص دينية، وإنما تناقش وتحرر من شوائبها. ويكفي أن نقرأ كتاب (الشرايين المفتوحة) لكي نفهم ما فعله المستعمر الأبيض من جرائم باسم الدين المسيحي، فهل نستمر في محاكمة الدين المسيحي على أنه دين إرهابي؟ المسيحية المتسامحة والإنسانية موجودة في قلوب المؤمنين بهذا الدين. وعليه الإسلام الذي كرس المحبة والتسامح في قلوب أتباعه وكرس العدل ودعا له والذي شمل المسلمين وغيرهم كما جاء في حقب التاريخ المتتالية. فالأصل في الدين الإسلامي هو التسامح والعدل والإنسانية لا الظل والتوحش. إن المشكلة في الخطاب الإعلامي عموماً والغربي خصوصاً هو تسيس واستغلال الخطاب الإسلامي بانتهازية مقيتة ومظللة تنحرف بالمتلقي نحو الرؤية التعليمية غير حقيقية. الأمر الآخر غير القضية الفلسطينية والذي نرى أنه أحد أسباب العنف هو ما تمارسه أجهزة التواصل والتي دخلت كل بيت ووضعت بيد كل إنسان، هذه الأجهزة أوصلت العنف وتسهيله للناشئة حتى أصبحنا نشاهد طلاب المتوسطة والثانوية في الغرب يدخلون إلى مدارسهم ويطلقون النار على زملائهم ومدرسيهم، والغريب أو المفارقة أن مرتكب هذه الأفعال يصنف حسب انتمائه الجغرافي، فإذا كان أبيض من أصول أوروبية صنف فعله على إنه صادر من شخص مريض نفسياً. أما اذا كان مرتكب هذه الفعلة من أصول إسلامية أو شرق أوسطية يربط عمله مباشرة بداعش أو القاعدة. نحن من حقنا أن نفهم هذه التحولات وهذه الأسباب بشكل صحيح لا تشوب شائبة الأغراض السياسية. وكما قلت نعم يوجد تطرف ويوجد إرهاب لكن أيضاً بالمقابل لازالت أسبابه قائمة.