من القصص الجميلة التي بثتها قبل أيام إذاعة الرياض في برنامج تعده وتقدمه الزميلة فاطمة البلوي "حكاية سعودية" قصة الفارس حمود بن غيام الجبلي وجلوسه مع الملك عبد العزيز، شرع بطلب منه وترحيب من الملك الذي ربما وجد في طلبه ترسيخا لمفهوم القضاء الذي لازال مستحدثا في البلد الفتي. كان حمود بن غيام قد هاجر بداية نشأة الأرطاوية معتزلا حياة البادية والتحق بجيش الملك عبدالعزيز وترك حلاله وكل ما يملك في الصمان مع أشقائه الذين حاولوا ثنيته بكل ما استطاعوا لدرجة أن شقيقه الشاعر المعروف زيد بن غيام هجاه بقصيدة طويلة كان مطلعها: حمود ديّن وانا عييت باقي زمانين واديّن خلا المراجل هديم البيت يتبع هوى النفس والهيّن ترى المديّن سوات الميت لا متّ وش عاد أبا اعيّن المفارقة الجميلة أن زيد بن غيام ما لبث رحمه الله وفي أقل من عامين أن هداه الله ولحق هو وإخوته جميعا بمن سبقهم واستقروا وتعلموا وتعمقوا بأمور دينهم وبعد سنوات أدى فريضة الحج وتوفي في الليلة الثانية من وصوله ولحقت به زوجته في الليلة التي تلتها وهو ما يعتقد بأنه مرض أصيب به في الحج رحمهم الله جميعا. قبل لحاق إخوته كان حمود بن غيام قد شارك في معركة السبلة سنة 1347ه وفي آخر السنة كان الملك عبدالعزيز يجهز لمعركة (القرعة) مع خصم يقاتل معه إخوان بن غيام وقبيل تحرك جيش بن سعود ذهب بن غيام للملك وقال: يا طويل العمر أنا كل حلالي وجميع ما أملك قدّامنا وأنتم بإذن الله منصورين لكن أنا طالبك حلالي يا طويل العمر فأومأ الملك برأسه وقال: خيرا إن شاء الله ومثلما كان متوقعا انتصر جيش الملك عبد العزيز وانشغل الجميع في البداية بتوزيع المكاسب من حلال وسلاح وأدخل الزائد منها بيت مال المسلمين ومن ضمنها حلال بن غيام الذي ذهب الى الملك يذكره بوعده لكن الملك رد عليه وقال لا أذكر أني وعدتك بشيء ولعلك تكلمت معي ورديت عليك وأنا منشغل بخطط وهموم المعركة والان الحلال دخل بيت مال المسلمين ووسمناه بوسم الحكومة ولم أعد أملكه ثم من يضمن لي أن الحلال الذي تدعيه حلالك لماذا لا يكون حلال إخوانك؟ وأصر الملك بينما أصر بن غيام الذي توسط ببعض أقارب الملك وعندما تمسك برفضه قال: إذن يفصل بيني وبينك الشرع يا طويل العمر قال: ذلك في مجلس الملك المحتشد بالحاشية وشيوخ القبائل والزوار ومن ضمنهم قاضي الأرطاوية الشيخ عبدالله العنقري الذي بادر وقال: اجلس مع أخوك المسلم يا طويل العمر ولكن الملك سبقه وهو يردد: الشرع فوق الجميع ثم نزل فورا من كرسيه بعد ما خلع عقاله المقصب (الشطفة) وتربع الى جوار خصمه على الأرض أمام القاضي العنقري، ترجاه الحضور أن يعود الى كرسيه فرفض وقال كلنا الان سواسية فالشرع هو ميزان العدل ولا صغير أو كبير فيه. وما بين الدعوى والإيجاب بين المدعي والمدعى عليه، طلب القاضي نهاية الجلسة يمين المدعي الذي وافق عليه وبينما كان يستعد لأدائه رفع الملك يده طالبا منه التوقف قائلا: لا تحلفه يا شيخ رح خذ حلالك اللي يخصك يا بن غيام وانت المصدق. فخرج بن غيام على الفور وأسرع الى المسؤول عن رعايا الكسب وقام بعزل ما يخصه فقط وهي 16 ناقة من 67 مجموع الحلال وكان من ضمن حلال إخوانه ناقة معروفة اسمها (ذروة) وكان معه أثناء الفرز ابن أخيه الصغير الذي كان يركض خلفه طوال الفرز ويحثه باكيا:" تكفى يا عمي خذ ذروة واترك واحدة من نياقك بدلا منها فيرد عليه: من يفكني من النار وأنا عمك إن عصيت ربي وخنت إمام المسلمين. ويقال: إن الملك عند ما علم بالأمر أمر أن ترد له ذروة.