وحي الرسالة اسم على افتتاحيات الأستاذ أحمد حسن الزيات لمجلته "الرسالة" جمعها في أربعة أجزاء خلال ست سنين في فصول من الأدب والنقد والسياسة والاجتماع، ويقول الأستاذ أن من عادته أن يكتب الفصل منها في أصيل يوم السبت من كل أسبوع - إذ أن الرسالة كانت تطبع أسبوعياً وليست شهرياً، ويستطرد قائلاً: ثم ما أكتبه طوعاً لتأثير قراءة أو تحرير فكرة أو تحبير رأي إنما كان الفصل – الإفتتاحية - أثراً لوحي ساعته أو حديث يومه أو صدى أسبوعه، مقدمة وحي الرسالة الصفحة 1 الجزء 1. وهذا المسار الذي اتخذه الأديب الكبير فيه من الإمتياز والعبقرية الشيء الكثير! فهو قاريء عصره وعالم أدبه، وذكي موهبته وصفو ذاكرته التي لا تخون!، لذلك فأديبنا يبدع بالفعل ويصيب الهدف باقتدار، ويكتب متخذاً العلم الأدبي والمعرفة التثقيفية والرؤية الفكرية بلا رجوع إلى مصدر سوي ماحدثنا من الإمتاع المعني المباشر والكتابة عفو الخاطر وسرعة البديهة لذلك فهو يوضح في مقدمته لفصوله أنه رجع إليها ساعة هيأها للطبع لم يجد فيها ماينكره، لأنها وإن كتبت عفو الخاطر ومجاراة للمناسبة تتسم بالصدق، والصدق في الفن جوهر بلاغته وسر دوامه وهو في البيان وضع اللفظ في موضعه، وتمعن أيها القارئ في هذا البيان فإن من البيان لسحراً! ويعني الأستاذ الزيات بكتابه من الاعتناء الكبير بكلمات من هذا العيار اللفظي، وإذا كان أمر المقدمة كهذا فإن فصول الكتاب المنتقاه أجلُ وأكثر بلاغة وعلماً وفيضاً من البيان الإيجازي والفصاحة النقية الصفية، كلماً ولفظاً وسبكاً، وانظر في أي كلمة أو فصل في الكتاب تجد مجرة من الاقتدار على التبيين والإبحار في عالم المعني المقصود بالمبنى المطلوب فالزيات يسير في هذه المجموعة من المقالات مسيرة الأستاذ مصطفى صادق الرافعي في مجموعة كتابه المسمى بوحي القلم وأحمد أمين في "فيض الخاطر" هذا الثالوث المرتبط بالبيان والإشراق والمضمون من المعنى والقصد كأمواج البحر المتعالي وصيده الثمين ثم يعطي المتلقي مايريد أكثر وأكثر من الملقى ليهضمه من خلال الصيد، كصيد الخاطر لابن الجوزي أول من أبدع في هذا السياق من النثر الفني. فالرافعي في وحي القلم كتب مقالاته أو فصوله عبر مجلة الرسالة، وأحمد أمين في فيض الخاطر كالزيات أي مجلة الثقافة التي أسسها أمين الذي كان يكتب مقدمتها حتى غدت في مجموعة عشرة أجزاء والمزية واحدة عند هؤلاء الأدباء الثلاثة من دقة التفكير وروعة التعبير وجميل المعنى ورائع الشكل والصورة ورائق الأسلوب والبيان، فالرافعي والزيات أديبان وأمين منشئ مفكر وكاتب سردي المسار وسريع المقال: إلا أنه أديب مثقف وكاتب بارع حسن الديباجة والاستهلال في كتبه ودفاتره وسائر مقالاته، ومن هذا القبيل من وحي الرسالة أحاديث للزيات في مراثيه النثرية لبعض الشخصيات من مصر بالذات كالشيخ الإمام محمد عبده والباحث الأدبي أحمد زكي باشا، وشاعر النيل حافظ إبراهيم، وأمير الشعراء أحمد شوقي، والزعيم سعد زغلول، وشاعر العراق الفلسفي جميل صدقي الزهاوي، ورائد الكتابة الأدبية مصطفى لطفي المنفلوطي، والزعيم محمد فريد، والإمام مصطفى عبدالرازق، ثم أديب العربية مصطفى صادق الرافعي إلى آخر الأعلام الكبار الذين كتب الزيات عنهم، مبيناً ما تميزوا به في حياتهم وما قدموه من الأفكار والإنجاز المثمر أدبياً ودينياً وتفعيلاً للجهد العظيم وما قدموه من إعلاء لقيم الأمة وقيادتها الرشيدة الذين لن ينساهم التاريخ طالما كتبوه بأحرف من نور. أحمد حسن الزيات