حين تموت الكائنات الحية تتحلل بسرعة إلى خامات أولية تذوب في مكونات الأرض. لا يبقى منها غير عظام، وشعر يصعب على الأرض استيعابهما بسرعة.. لهذا السبب مازلنا نكتشف عظاما، وقطع شعر لأشخاص ماتوا منذ قرون (بل وقد يتعرض الجسد لعملية تحنيط طبيعية فيتم الاحتفاظ بكل شيء).. ثم تأتي بعد ذلك مرحلة "التحجر" التي يتم فيها استبدال المادة العضوية بالسيلكا بنفس تفاصيل وهيئة المخلوقات القديمة.. وحين يحدث ذلك يصبح لدينا مايمكن تسميته ب(الأحفورة المتحجرة) التي يتطلب تشكلها ملايين السنين. والأحافير المتحجرة هي وسيلتنا الوحيدة والأكيدة لمعرفة الكائنات التي عاشت في الماضي السحيق.. ويمكن تحديد عمرها بطرق كثيرة، أبرزها قياس نسبة الاشعاع الكربوني، وتحديد عمر الطبقة الأرضية التي اكتشفت فيها الأحفورة ذاتها... وفي حين تحتفظ بعض الأحافير بهيكلها الأصلي، يُسحق بعضها تحت ضغط الأرض، ودرجة الحرارة فيتحول إلى فحم حجري (للنباتات والأشجار)، أو نفط خام (للكائنات التي ترسب في قاع البحر)... وتعد بقايا الديناصورات من أهم، وأقدم الأحافير التي يمكننا اكتشافها. وهي موجودة في كل مكان (حتى في الجزيرة العربية) بفضل تنوعها، وانتشارها، وعيشها فوق الأرض طوال 300 مليون عام.. والحقيقة هي أن الشعوب القديمة عرفت عظام الديناصورات، ولكن فكرتهم حولها لم تكن واضحة. فالصينيون مثلا اعتقدوا أن عظام الديناصورات تعود لتنانين قديمة فقاموا بتوثيقها وتصنيفها على هذا الأساس.. أما في أوروبا فكان الناس خلال القرون الوسطى يعتقدون أن العظام المتحجرة بقايا مخلوقات عملاقة نفقت أثناء طوفان نوح. وأول دراسة سارت في الاتجاه الصحيح حدثت في إنجلترا في القرن الثامن عشر.. ففي عام 1776 عُثر في أحد المقالع على عظمة بالغة الضخامة تم ارسالها إلى روبرت بلوت أستاذ الكيمياء في جامعة أكسفورد.. عرفها بأنها عظمة فخذ لكائن عملاق منقرض، وخمن هيكلها (الكامل) بطريقة فاجئت الوسط العلمي.. وفي سنة 1842ابتكر عالم الأحياء الإنجليزي السير ريتشارد أوين التسمية التي نعرفها اليوم (ديناصور) والمركبة من كلمتين صبت لصالح علم الأحافير.. دامت ثلاثين عاما، وعرفت باسم حرب العظام، ووصلت حد شراء الأراضي، ورشوة عمال النفط والمناجم لحيازة أكبر عدد ممكن منها!! ... كل هذه الوقائع تؤكد أهمية الأحافير المتحجرة، باعتبارها دليلا قاطعا على مظاهر الحياة القديمة بما في ذلك الديناصورات التي سبقت ظهور الانسان بستين مليون عام على الأقل.. وفي كل مرة نكتشف فيها أحفورة متحجرة، تتراجع الأساطير القديمة حول مسيرة الحياة فوق كوكب الأرض.. واليوم لم يعد ينكر وجود الديناصورات والأحافير المتحجرة سوى مراجع يهودية متشددة تدعي أن الله خلق الأرض قبل موسى عليه السلام بخمسة آلاف عام .. فقط ..