يُعد الفساد ظاهرة اجتماعية وجدت منذ أن وجد الإنسان على ظهر البسيطة، حيث عرفتها كافة المجتمعات البشرية في كل الأزمنة والعصور، كما أصبح الفساد في عصرنا الحاضر ظاهرة عالمية تنتشر في كافة المجتمعات المعاصرة المتقدمة منها والنامية، والغنية منها والفقيرة، وذلك رغم إجماع هذه المجتمعات على قبح الفساد ومخاطره المختلفة والمتعدّدة الاجتماعية منها والاقتصادية والسياسية والثقافية، والتي تتزايد بصورة خاصة في المجتمعات النامية والأقل نمواً وذات الموارد المحدودة. ومع تزايد وعي المجتمعات وإدراكها بمخاطر الفساد على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وإعاقته لعملية التنمية ومساهمته في تخلُّف الشعوب وزيادة مظاهر الفقر واتساع انتشاره، وتهديد استقرار الدول والشعوب، أصبحت محاربة الفساد ومكافحته ضرورة مُلحة لكل بلد، وقضية عالمية تبنتها منظمة الأممالمتحدة التي عملت على وضع اتفاقية دولية لمكافحة الفساد في شهر ديسمبر 2003م والتي سميت ب(اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد) وكانت اليمن من الموقّعين على تلك الاتفاقية، إلى جانب ذلك ظهرت العديد من المعاهدات والاتفاقيات الاقليمية، وعلى ضوئها أضحت الدول والمنظمات والمؤسسات الإقليمية والدولية المانحة للمساعدات والقروض الميسّرة والتسهيلات الإئتمانية تربط مساعداتها ومنحها إلى الدول المتلقية بمدى التزامها بمعايير الحكم الرشيد والتي يتم قياسها بمدى وجود كل من المحاسبة والمساءلة، والوضوح والشفافية، وحرية تبادل المعلومات وسهولة الحصول عليها، وتوافر الاستقرار السياسي، وكفاءة وفاعلية الأداء الحكومي، وذلك إلى جانب ارتفاع مستوى جودة البنى والمؤسسات التنظيمية والمؤسسية وسيادة القانون، ووجود تشريعات وتنظيمات مؤسسية مستقلة لضبط الفساد والحدّ منه ومكافحته. وقبل ذلك ظهرت منظمة الشفافية العالمية عام 1993م باعتبارها الإطار المؤسسي لحركة مجتمعية عالمية لمكافحة الفساد، وأضحت هذه المؤسسة مستشاراً فنياً ذا خبرة عالمية في مكافحة الفساد على المستوى العالمي، كما تمكّنت من إنشاء المنظمات الوطنية غير الحكومية لمكافحة الفساد في العديد من دول العالم. في هذا الإطار من الأهمية أن نتساءل عن مفهوم الفساد، إذ أن الجميع يتحدثون عن الفساد، حيث يتفق معظم المتخصصين على أن الفساد هو مصطلح فني يستخدم حين يتم استغلال الوظيفة العامة والمناصب العامة لغايات ومصالح شخصية، وفي حالات الاعتداء على المال العام والعبث به، فالفساد ظاهرة تتعلّق بتحويل الشأن العام ومصلحة المجتمع العامة لخدمة مصالح خاصة لأفراد أو جماعة (أو جماعات) محدّدة داخل المجتمع، وقد حدّد البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الأنشطة والأعمال التي تندرج تحت تعريف الفساد بأنه "إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص" فالفساد -ولنأخذ اليمن مثالاً لتفشي ظواهر الفساد وهي كثيرة- يحدث عادة عندما يقوم موظف عام -مهما كانت درجته- بقبول أو طلب أو ابتزاز رشوة لتسهيل عقد لمناقصة عامة أو تمرير عملية مالية مشبوهة، وغير ذلك، كما يتم الفساد عندما يقوم وكلاء أو وسطاء لشركات أو أعمال خاصة بتقديم رشاوي للاستفادة من سياسات أو إجراءات عامة للتغلُّب على المنافسين أو الفوز بالمناقصات والتوريدات العامة بغرض تحقيق أرباح هائلة خارج إطار القوانين السارية، ويتمثل الوجه الثاني للفساد عن طريق: استغلال الوظيفة العامة لتحقيق مصالح ومنافع بالاعتماد على المحسوبيات والمجاملات والتحايل على القوانين والأنظمة. كما أن معاهدة الأممالمتحدة لمكافحة الفساد لم تتضمن تعريفاً شاملاً جامعاً للفساد، لكنها وضعت توصيفاً خاصاً للأعمال والأنشطة التي تعتبر سلوكاً فاسداً في الوقت الحاضر، بحيث تركت للدول الأعضاء الموقّعة على المعاهدة إمكانية معالجة الأشكال المختلفة من الفساد التي قد تظهر مستقبلاً، في الوقت نفسه فإن مفهوم الفساد في هذه المعاهدة يتسم بالمرونة بما يجعله قابلاً للتكيّف مع طبيعة كل مجتمع وتطوّره السياسي والاجتماعي، وطبيعة ظاهرة الفساد فيه ومدى انتشاره، وفي اعتقادي الشخصي، بأن ذلك هو الأسلم، إذ أن التفاوت بين المجتمعات المعاصرة في جوانب كثيرة يجعل من الصعوبة بمكان تحديد مفهوم نمطي للفساد في كافة المجتمعات.