المواطن أحمد عبدالله يعبر عن قلقه وهو يقرأ تغريدة عبر أحد الحسابات الرسمية في تويتر عن أجور بعض الخدمات، لأثرها الكبير على ميزانيته الشخصية، وتغريدة أخرى تفسر قراراً رسمياً وتضع ضوابط له بشكل غير واضح، وفي النهاية يكتشف أن تلك الحسابات وهمية واستغلت غياب التوثيق فانطلق الموتورون والمعادون لنشر الأكاذيب وتأليب المجتمع، بينما أحمد بات أكثر نضجاً فاندفع لمتابعة الحسابات الرسمية الموثقة ولكن هذه المرة كان ألمه أكبر، فبعض الجهات وبعض المسؤولين مازال متحفظاً وبعيداً جداً عن هموم الناس ونقاشاتهم، فلم تعد الطوابير الطويلة، والانتظارات المملة سمة لمراجعي الدوائر الحكومية فحسب بل نقلت ذلك معها للعالم الافتراضي.. كتب الكثير مرات ومرات لحسابات مختلفة تارة للاستفسار، والتأكد، وأخرى لطلب خدمة، ولكن لا حياة لمن تنادي، فالحسابات كما يبدو لم تنشأ من أجل ذلك بل لنشر أخبار تشيد بالمنجزات التي لا ينعكس أثرها على المستفيد، كما أنها لا تبرز حراكاً حقيقياً في أي مجال، وكأنها أنشئت لمجرد حجز موقع لها بين نظيراتها. من هنا جاءت مطالب المختصين والمهتمين بأهمية التوثيق والتعاطي والتفاعل مع شكاوى المواطنين واستفساراتهم بدلاً من إجبارهم على مراجعة الوزارات والجهات والإدارات المختلفة، وكذلك الإفادة من بعض الحسابات التي سجلت نجاحاً وتميزاً بتواصلها مع طالبي الخدمة وسعيها الدؤوب أن تقدم الخدمة للشخص في موقعه دون تكبيده جهداً أو وقتاً أو مالاً، عدد من المختصون أكدوا ل "الرياض" أن حسابات التواصل الموثقة تختصر أسابيع وأشهر من حجز المواعيد والمسافات الطويلة لاسيما إن كان المواطن في الأطراف والمناطق البعيدة عن صنع القرار فتغريدة واحدة قد تكون كافية للتواصل مع الوزير أو المسؤول. حسابات للإشادة من جهته انتقد د. عمر الخولي - أستاذ القانون بجامعة الملك عبدالعزيز سابقاً - خروج بعض الحسابات الرسمية على "تويتر" عن هدفها الرسمي المألوف في التواصل مع المستفيدين والتعاطي مع البلاغات والشكاوى ونشر الأخبار الهامة للمواطنين إلى بث مقاطع "يوتيوب" للإشادة بالمسؤول، ونشر صور لمخالفات وظيفية، مؤكداً أن الحساب الرسمي لأي جهة يجب أن يحقق الهدف المرجو منه بعيداً عن كل ما يخل بمصداقيته ونزاهته، وأن السياق السليم لإقناع الموظفين والرأي العام بتقبل بعض القرارات النظامية التي تهدف لرفع الإنتاجية وإنهاء معاناة أصحاب المعاملات المتعثرة يتم عن طريق الإحصاءات الرسمية المقنعة فقط، والتي ستغير مجرى المواجهة إلى التماهي التام فالمنجز سيفرض نفسه بقوته وحياديته، داعياً القائمين على الحسابات الرسمية إلى التريث في نشر أي مادة أو صورة أو مقطع، وتوقع ردة فعل من لا يتقبل بعض القرارات النظامية، ومن يحكم على كل شيء بعاطفته دون وعي وتفكير أو تروٍ، كل ذلك بغية تحقيق الهدف المنشود وهو خدمة المستفيد، وتقليص طوابير المراجعة والانتظار، ورفع الكفاءة الإنتاجية. تجاهل صريح من جهتها قالت أسماء صالح -مهتمة بالشؤون التقنية -: إن تسهيل الإجراءات على المواطنين والمواطنات مطلب يجب على كل جهة خدمية الأخذ به، فما الفائدة من إنشاء حسابات رسمية معطلة لا تصغي لردود المستفيدين أو تهتم لمطالبهم! فقلما نرى اليوم حساباً متكاملاً يعنى بتمام تقديم الخدمة للمستفيد من خلال الروابط والقنوات الإلكترونية التي تسهل إيصال المستفيد بالجهة المعنية، وإعانته على استكمال طلبه أو التجاوب مع الاستفسارات والشكاوى، فللأسف بعض الحسابات تم إنشاؤها فقط ليقال إن هناك حساباً رسمياً فهي اسم من غير رسم، والأدهى من ذلك أن بعضها لا يتجاوب إطلاقاً مع أحد وربما لا يحدّث لعدة أسابيع أو أشهر! لافتةً إلى أهمية صناعة التطبيقات المناسبة، ووضع الروابط الميسرة، واستحداث أيقونات للخدمة تسهل إكمال المتطلبات بشكل ميسر وسهل، وفتح قنوات اتصال مرئية مباشرة، وأن يخصص لتلك الحسابات موظفون يتجاوبون سريعاً مع متطلبات الجمهور إضافة إلى التحديث المستمر والتجديد والتطوير في تقديم الخدمة. مواكبة الحدث وأكد د. إسحاق خوجة - باحث مهتم بالتقنية - أن كثيراً من الجهات الحكومية فعلت حساباتها الإلكترونية في مواقع التواصل الاجتماعي تماشياً مع برنامج التحول الوطني 2020 للوصول لرؤية المملكة 2030، وسعياً إلى تعزيز مبدأ التواصل مع المستفيدين من خلال قنواتها الحديثة عبر الشبكة العنكبوتية، وعمدت تلك الجهات الحكومية إلى فتح القنوات الإلكترونية وتلقي الملاحظات والشكاوى والمقترحات بل وتقديم الخدمات أيضاً، والتقليل من مراجعة المواطن للإدارات الحكومية والاستفادة من تلك الخدمات المقدمة عبر التطبيقات الذكية في المواقع الرسمية للإدارات الحكومية للارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة. وأضاف: مع تنامي شبكات التواصل الاجتماعي وعدد مستخدميها أصبح لزاماً على كافة الأجهزة الحكومية تطوير قنواتها ومواكبة هذه التحولات السريعة وتفعيل حساباتها بشكل جيد، وضرورة تفاعل جميع الوزارات والإدارات مع مستخدمي هذه الشبكات، وتحويلها إلى منصات تفاعلية تشاركية من خلال الرد على استفسارات الجمهور وتلقي الشكاوى، والتجاوب مع متطلبات الجمهور، وبالتالي نشر كل ما يهم المواطن والمقيم من تعليمات والرد على الشائعات ونشر المعلومات الصحيحة، وتوضيح كل ما يهم المواطن والمقيم من أنظمة جديدة وتفسيرها وتوضيحها لعدم ترك المجال للاجتهادات. 5 ملايين مستفيد من جهته أكد د. فيصل بن حماد -أستاذ إدارة الأعمال بجامعة حائل- أن حجم المستخدمين السعوديين لتويتر في تنام من 4,13، مليون في 2014 إلى 4,99 ملايين في 2016، ويشكل عدد المستخدمين لتويتر في المملكة (40%) من إجمالي المستخدمين في العالم العربي، لذلك تقييم أداء الحسابات الرسمية للجهات الحكومية على تويتر في ظل وجود هذه الأرقام الإحصائية يتطلب عملاً بحثياً متخصصاً لكل جهة على حدة ينطلق من معرفة حجم المتابعين ونوعية المعلومات المقدمة من كل جهة حكومية، وقياس التفاعل مع الجمهور، وهذا العمل يحتاج لمجموعة دراسات تقوم على المقارنة مع الدول المتقدمة لمعرفة أين يوجد التطبيق الأمثل (benchmark) ومقارنته مع الدول النامية ووضع حلول علاجية للاستفادة من تويتر كتطبيق. وأضاف: إن جمهور القطاعات الحكومية الخدماتية استفادوا من الإنترنت بشكل عام، ومن خدمات الحكومة الإلكترونية بشكل خاص، والتي ساعدت على إنجاز الكثير من معاملات المستفيدين، فعلى سبيل المثال وزارة الداخلية ومؤسساتها قائمة بمجهود جبار من خلال حساباتها ومواقعها الإلكترونية، ومن الصعب تقييم أداء بعض الحسابات الرسمية للجهات الحكومية على تويتر بحكم أن بعضها اجتهادية، ويتضح هذا من خلال عدم وجود كادر متخصص لإدارة شؤون هذه المؤسسات، ومحاربة الحسابات المزيفة ونفي الأخبار المنقولة عنها، والتفاعل مع الانتقادات أو أخذها بعين الاعتبار كمدخل تطويري، وأن دور بعض الحسابات الرسمية حتى الآن كمالي يهدف لتوعية المستفيدين بالخدمات المقدمة من قبل المؤسسات الحكومية والتي يمكن الحصول عليها من المواقع الرسمية مما ينتج عنه امتثال شكلي للقوانين المسيرة للمعاملات التي تخص المستفيدين وإعطاء انطباع زائف بالمتابعة. حلول مقترحة وأشار د. بن حماد إلى جملة من الحلول قائلاً: بحكم أن كثيراً من المؤسسات الحكومية طورت من خدماتها إلكترونياً وطرق الرقابة ومتابعة المعاملات المقدمة ورفع أداء موظفيها، فإن تفاعلها مع المستفيدين عبر تويتر يجب أن يكون من منطلق تقبل النقد تجاه المبلغين (whistleblower) عن المعاملات المتعثرة وأسباب عدم رضا جمهور المستفيدين والتفاعل معهم ومتابعة طلباتهم المتعثرة بشكل فعلي، بجانب إعطاء معلومات دقيقة لجمهور المستفسرين عن إجراءات أو طلبات تفاصيلها غير متوافرة على المواقع الرسمية، موضحاً أن الأصل في وسائل التواصل الاجتماعي كتويتر تقليص المسافة ما بين مديري هذه الجهات الحكومية الخدماتية ومراجعيهم وعدم الحاجة للمرور من خلال سلسلة من الموظفين للوصول للمسؤول القادر على البت في المعاملة المعنية أو الوزير القائم على تلك المنظمة الحكومية، فمن خلال تويتر فالمسافة جداً قريبة عبارة عن تغريدة تمر عبر3 أشخاص لذلك لابد من وجود بنية تحتية بيانية لبعض المؤسسات الحكومية التي لم تفعل وجودها على تويتر بشكل ملموس تدار بكادر عالي الكفاءة وتربط ما بين المستفيد وكل إدارة معنية في كل مؤسسة حكومية معنيه بشكل مباشر لترتقي بخدماتها بشفافية والاستفادة من جميع انتقادات المستفيدين وأخذها بصفة رسمية بناءة لتطوير الأداء، وبهذه الطريقة يصبح جمهور المستفيدين جزءاً من معادلة الحوكمة (governance ) على المعاملات والرقابة على أداء هذه المؤسسات الحكومية من أسفل الهرم الخدماتي المنتهي بجمهور المستفيدين، وبذلك يصبح تويتر معياراً كاشفاً للأداء يقرأ من قبل المؤسسات الحكومية المعنية والجهات الرقابية المشرفة على أداء هذه المؤسسات، وبذلك يكون تويتر ليس فقط جزءاً من تقليص حجم طوابير المتابعين ولكن جزءاً من رؤية 2030 القائمة على تحسين حوكمة المؤسسات الحكومية الخدماتية وتحسين أداء موظفيها ومسؤوليها وسياساتها بكل تخصصية وشفافية. د.عمر الخولي د.إسحاق خوجة د.فيصل بن حماد تغريدة واحدة من المسؤول قد تغني المواطن عن قطع المسافات لمراجعة الوزارة طوابير انتظار الخدمة والتجاوب في الجهات الحكومية انتقلت لمواقع التواصل