د. خالد ضيف الله الشراري في التاريخ الوطني والاجتماعي الحديث والمعاصر للمملكة ثمة امتداد بعيد للجغرافيا والإنسان والتراث يمتد إلى أزمانٍ عريقة وأصيلة تحكي ليس فقط قصة الإنسان في المكان، ولكنها أيضاً تكشف عن ثروة الأوطان وخيرات البلدان، ومحافظة طبرجل هي جزء أصيل من تاريخ المملكة القديم والحديث والمعاصر. وقد حباها الله ضمن المملكة نصيباً كبيراً من هذه الثروات والخيرات التي لا ينبغي لنا أن نغفلها أو أن نتجاهلها، ولا نجانب الحق والصواب إذا قلنا أنه من ناحية علمية وإستراتيجية تعد محافظة طبرجل سلّة غذاء المملكة، مثلما هي مجتمع اقتصادي وتنموي كان له الأثر الإيجابي البارز على منطقة الجوف بوجه خاص وعلى المملكة بوجه عام. تقع محافظة طبرجل التي يتبع لها العديد من القرى والمراكز المنتشرة حولها في شمال غرب المملكة بمنطقة الجوف، ويبلغ تعداد سكانها أزيد من 100 ألف نسمة، ويعود نشأة طبرجل إلى العام 1376ه. وقد مر بها وزارها المؤرخ علّامة الجزيرة حمد الجاسر وذكرها في مؤلفاته وذكر موقعها الجغرافي واسمها القديم "اللحاوية" وذكر كما هو معلوم سبب تسميتها نسبة إلى الشيخ عاشق اللحاوي في إطار سعيه لتوطين البادية في مستقرات حضرية، حيث تقدم الشيخ بخطاب موجه لإمارة منطقة الجوف، يهدف من ورائه السير باتجاه تشجيع توطين البادية، وذلك إنسجاماً مع أهداف الحكومة الرشيدة منذ بداية تشجيع الأهالي نحو الاستقرار والتوطين في مستقرات حضرية، وحرصاً منها على سياستها البعيدة للنهوض بالبادية وتنميتها، والواقع أن هذه السياسة تتماشى مع الرؤية الحكيمة التي اختطها الملك المؤسس عبدالعزيز طيب الله ثراه منذ بداية عهد نشوء المملكة، عندما اختط بإرادته الموفقة والمخلصة خطة بناء حديثة لإخراج البادية مما هي فيه، ولعل قراره بإنشاء مستقرات زراعية وغير زراعية "الهجر" منذ أوائل القرن العشرين كان ترجمة لمبادئه في بناء أسس المدنية والتحضير للأهلين، وتمكينهم من الاستقرار والازدهار في هذه المستقرات، عندما سخر لها من الموارد من أجل التنمية والتقدم. لقد دلت الدراسات البحثية أن طبرجل كانت ولا تزال تطفو على بحيرات وأنهار من المياه الجوفية العذبة والمتجددة، ولهذا تعد طبرجل من أكبر المناطق الزراعية في الشرق الأوسط، ونمت فيها زراعات واعدة وفق خطط ومشاريع كبرى، حتى أنه وصل إنتاجها من القمح إلى مليوني طن من القمح سنوياً حيث يعتبر هذا المنتج الاستراتيجي في حسابات الأمن الغذائي، بالإضافة إلى إنتاج الخضار والفاكهة والزيتون وزيته وغيرها من المحاصيل الهامة، مما جعل هذه المنطقة واعدة وجاذبة للعديد من كبرى الشركات الزراعية في المملكة مثل شركة الراجحي والمراعي ونادك والجوف وغيرها من الشركات متعددة الأغراض والأعمال والصناعات، بيد أن ما يُؤخذ على هذا النوع من الاستثمار الوطني أنه يغفل عن دوره التنموي على مستوى محافظة طبرجل، وأعني الدور الشامل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ونتمنى أن تقوم هذه المؤسسات والشركات بأخذ زمام المبادرة في أخذ دورها الوطني المطلوب بخصوص التزاماتها نحو التنمية المحلية لمدينة طبرجل. وغني عن القول أن محافظة طبرجل بشكل خاص بحاجة إلى العديد من الخدمات التنموية الضرورية، وتوفير العديد من الخدمات للمواطنين في هذا القطر الاقتصادي الهام، لما لها من أهمية وأثر في تسيير شؤون حياتهم وأعمالهم، وأذكر على سبيل المثال من هذه الخدمات المُلحة: * ترجمة الوعود بإنشاء مطار مدني في المحافظة ليجنب الأهالي عناء السفر ومشقته عن طريق البر، وإيجاد مكاتب للخطوط الجوية العربية السعودية. * إنشاء فرع نسائي لبنك الراجحي الوحيد في المحافظة. * حل مشكلة شُح المياه في المحافظة، ومشكلة تكرار انقطاعها عن الأهالي، علماً بأن هذه المحافظة تزود عدة محافظات وقرى مثل محافظة طريف ومحافظة القريات وتزودها بالمياه العذبة بشكل مُستدام.