عد بخيالك إلى العصر العباسي (أو حتى الجاهلي) ثم أجب عن الأسئلة التالية: * هل كان الناس يتخيلون في ذلك الوقت صعودنا للقمر؟ * هل كانوا يتخيلون ظهور الجوال وشبكة الإنترنت والكمبيوتر المحمول؟ * هل كانوا يتخيلون ظهور طائرات تحمل مئات الناس فوق السحاب؟ * هل كانوا يتخيلون ظهور الأقمار الاصطناعية ووصولنا للمريخ وزحل؟ * هل كانوا يتخيلون خروج الصوت من الراديو، أو رؤية العالم من خلال التلفزيون؟ * هل كانوا يتخيلون حديثنا عبر الهاتف مع أشخاص يعيشون في القارات البعيدة؟ * هل كانوا سيفهمون قصدك لو أخبرتهم بوجود كاميرا وستيريو وميكروفون وفيديو وفاكس ومئات التطبيقات العجيبة في جيبك الصغير...؟ ... يمكنني الاستمرار على هذا المنوال حتى تقتنع بأن الحقيقة أعظم من الخيال.. فأدمغة الناس في العصور القديمة عجزت عن التنبؤ بكل هذا لأن خيالنا (ليس محدوداً فقط) بل ويعمينا عن رؤية المستقبل.. فالخيال البشري ينطلق غالباً من الواقع المعاش ولا يمكنه سوى تخيل الخطوة التالية للموجود أصلاً... ... لهذا السبب عجز الناس (في العصور القديمة) عن التنبؤ بالإنجازات التقنية الحديثة.. لم يتنبأ الحكواتي (في قصص ألف ليلة وليلة) بطائرات البوينج والأيرباص ولكنه تخيل بساطاً سحرياً يشبة البساط المستعمل في منزله.. انطلق خياله من واقعه المعاش وقناعته بوجود جني وتأثير سحري.. لم نبدأ نحن بتخيل الطائرات الحديثة إلا بعد أن غيّر الأخوَان رايت واقعنا المعاش وحلقا بأول طائرة حقيقية عام 1903.. بعد هذا الإنجاز أصبح بإمكاننا تخيل طائرات مدنية تجاري سرعة الصوت وتحمل مئات الناس فوق السحاب... اعتقد شخصياً أنه يصعب علينا التنبؤ بالمستقبل لأن الإنجازات العلمية تتضاعف بمتوالية هندسية (بطريقة 2، 4، 8، 16، 32، 64) في حين يزحف خيالنا البشري بمتوالية حسابية (بطريقة 1، 2، 3، 4، 5، 6).. يصعب علينا التنبؤ بالمستقبل لأن كل ابتكار واكتشاف جديد تُبنى عليه لاحقاً ابتكارات فرعية يستحيل تصورها مسبقاً.. حالنا اليوم مثل حال الناس (في العصر العباسي) الذين لم تسمح معارفهم بتخيل ما وصلنا إليه نحن هذه الأيام.. يمكننا فقط التنبؤ بالتطور التالي للإنترنت والبوينج وهواتف الآيفون والسامسونج، ولكن يستحيل علينا تخيل الابتكارات التي ستكتشف (بلا أي بوادر سابقة) خلال الألفية القادمة.. فشبكة الأنترنت مثلاً لم يتخيل أحد ظهورها حتى عام 1971 لعدم وجود سابقة تقنية لها.. وحين ظهرت، تفرعت منها ابتكارات وتطبيقات وخدمات (لم يكن من المستحيل فقط التنبؤ بها) بل ويصعب علينا ملاحقتها هذه الأيام.. ... باختصار شديد؛ يمكننا التنبؤ بظهور السيارات الطائرة كونها خطوة تالية لسياراتنا الزاحفة.. أما الواقع الذي سيعيشه البشر بعد ألف عام فيستحيل علينا توقعه أو حتى تخيل شكله (إلا إن أقنعتني بقدرة جرير والفرزدق على تخيل صعودنا للقمر أو سفرنا فوق السحاب أو تواصلنا عبر سكايب)... .... وأعتذر عن استعمال صيغ الجمع!!