من المهم أن تكون البيئة وحماية الحياة الفطرية ونظافة المتنزهات والحدائق هدفا أساسيا يتعلمه طلبة وطالبات المدارس والجامعات، وأن يساهموا في زراعة الشجرة وتنظيف المتنزهات وتعزيز قيمة العمل الجماعي ذهبت في الأسبوع الماضي لإلقاء محاضرة في ثانوية الأندلس في الزلفي بدعوة كريمة من إدارة التعليم وضمن برنامج فطن رتبها المعلم النشط عبدالله القشعمي، فكانت فرصة اللقاء الجميل بالطلبة والحديث معهم وإشراكهم في تجربتي المتواضعة مع النجاح؛ حيث ركزت على أهمية القراءة والرياضة في بناء إنسان منتج واسع الأفق ومتسامح، كما تطرقت في المحاضرة إلى أهمية تنمية التفكير الناقد لدى الطلبة كي لا يكون من السهولة تسويق الدجل والتطرف والمخدرات لهم، كما تطرقت في المحاضرة إلى خطورة ما يهدد الشباب بسبب التهور في قيادة السيارة وأهمية المحافظة على البيئة، وقد أتاحت لي الزيارة فرصة الوقوف على ما تعيشه هذه المحافظة من حراك جميل في أكثر من مجال ومنها المحافظة على البيئة، ففي لقائي مع محافظ الزلفي الذي عاد لتوه من تكريم المتطوعين والمسؤولين والطلبة الذين شاركوا على مدى أيام في تنظيف وزراعة أشجار من البيئة في روضة (السّنَده) المطلة على روضة السبلة، وشرح لي جانباً مهماً من جهود الأهالي ولجنة التنمية الاجتماعية وطلبة المدارس والجامعة. كما أتيحت لي الفرصة هذا الأسبوع للاطلاع على بعض تلك الجهود حين دعاني الدكتور عبدالله الفهد نائب رئيس جمعية الكشافة العربية السعودية لحضور الملتقى البيئي الكشفي الثاني الذي ضم عددا من رواد الكشافة من مختلف مناطق المملكة للالتقاء في متنزه الزلفي الوطني لزراعة أشجار من البيئة والمساهمة في تقليم الأشجار التي زرعت في أعوام سابقة حتى تنمو بشكل أفضل، لقد كانت المفاجأة وجود ذلك المتنزه الذي بلغت مساحته ثلاثون مليون متر مربع، وتم زراعة خمس مئة ألف شجرة حتى تاريخه، وفي كل عام يزرع فيه حوالي ثمانون ألف شجرة، وذلك بفضل جهود وزارة الزراعة والبيئة والأهالي، وقد أصبح هذا المتنزه محمية تحافظ على البيئة والحياة الفطرية رغم كثرة التعديات عليه من قبل الرعاة وهواة الصيد الذين لا يتوانون عن قص السياج والدخول إلى المتنزه مما يحتم تضافر الجهود من قبل رجال الأمن وهيئة الحياة الفطرية وحتى المواطن للإبلاغ عن كل ما يراه من تعديات، كما لم يغفل المسؤولون عن المتنزه وعلى رأسهم مديره النشط عبدالكريم الفراج جانب الفن والجمال فأوجدوا فيه شارعا تحفه الأزهار وروائح العطر وشجر الأكاسيا وأطلقوا عليه شارع الحب؛ ليكون ملتقى الأحبة ومصدر إلهام الفنانين. وليس هذا المتنزه الكبير سوى البداية لغرس المزيد من أشجار الأرطى في أماكن مختلفة من نفود الثويرات وزراعة الأشجار المناسبة في المتنزهات والحدائق الكثيرة في الزلفي ومنها روضة السبلة، فقد كان يجلس إلى جانبي شيخ كبير رسم الزمن على محياه لوحة جميلة من الحب والوفاء للزلفي وللبيئة بشكل خاص وهو الشيخ علي العبدالكريم وقد كان يتحدث بكل حماس عن ضرورة إصلاح ما أحدثته الأودية من أضرار بجرف التربة في روضة السبلة، ثم وجه كلامه إلى رئيس لجنة التنمية الاجتماعية في الزلفي الأستاذ عبدالله الشايع وقال: «ابدأوا وكل يساهم بما يستطيع وأنا معكم». الاهتمام بالبيئة بدأ يأخذ مكانه اللائق ليس في الزلفي فقط، لكن في مختلف مناطق المملكة ولتسريع الجهود ونجاحها أقترح الخطوات الآتية: أولاً: قيام وزارة المياه والزراعة والبيئة بإيجاد متنزه بيئي في كل مدينة وقرية تتوافر فيها الأراضي المناسبة والأودية وتسييجها وحمايتها من الرعي، بعدها سيتكفل الأهالي ومكاتب والوزارة بزراعة الأشجار المناسبة، ومن المهم أن تهتم الوزارة بتثقيف رؤساء المراكز للصمساهمة في حمايتها. وحث مديري البلديات لزراعة الأشجار المناسبة في الشوارع وحول المدارس والمساجد وداخل الأحياء. كما أن لوزارة الثقافة والإعلام دورا في نشر الوعي البيئي في كل الوسائل الممكنة حتى تتضافر الجهود. ثانياً: من المهم أن تكون البيئة وحماية الحياة الفطرية ونظافة المتنزهات والحدائق هدفا أساسيا يتعلمه طلبة وطالبات المدارس والجامعات، وأن يساهموا في زراعة الشجرة وتنظيف المتنزهات وتعزيز قيمة العمل الجماعي، فما نلحظه من سلبية في ترك المخلفات واقتلاع الشجر وإبادة الحياة الفطرية هو نتيجة إخفاق التعليم في زرع القيم المطلوبة في المجتمع عن طريق الممارسة والتكرار حتى تصبح عادة ثم سلوكا، وليس معلومة تنتهي بانتهاء العام الدراسي. كما أن للكشافة دوراً مهماً في تعزيز العمل الخيري ومنه الاهتمام بالبيئة والمشاركة في تنميتها وأن يكونوا نواة لجمعيات مجتمع مدني يتسابق أفراده على العمل التطوعي، ومن المهم إشراك خطباء المساجد لتناول هذا الموضوع المهم من الناحية الدينية في خطب الجمعة. هذا المقال لا يغطي كل ما رأيته من نشاط بيئي وعمل تطوعي في الزلفي ونشاط لجنة التنمية الاجتماعية واهتمامها بأسر السجناء وذوي الإعاقة وكبار السن، إلا أنني أرى أن البوصلة في الزلفي تشير إلى التوجه الصحيح وهو الاهتمام بالحاضر والمستقبل وتعزيز العمل التطوعي والإكثار من جمعيات ولجان المجتمع المدني التي تهتم بالبيئة وبالفئات الأقل دخلاً، بدل التغني بالماضي أو العزف على متناقضاته وتأجيج الصراع بين مختلف أفراده.