قد يرى البعض ان التسريبات التي تنشر في وسائل التواصل الاجتماعي عن بعض التجاوزات او المخالفات في بعض الأجهزة الحكومية والشركات المساهمة تمثل احدى الوسائل الفاعلة لمكافحة الفساد وعبر اجبار الجهات الرقابية على فتح التحقيقات بها لكونها تحولت لقضية رأي عام، في حين انه مع عدم الجواز القانوني والأخلاقي لتسريب الوثائق والمستندات وتداولها، فان انتشار ثقافة النشر للوثائق والتجاوزات بأي مجتمع سيتسبب في نشوء حالة تبلد ولامبالاة لدى افراد المجتمع ومسؤولي الجهات الرقابية امام ممارسات الفساد والتجاوزات التي تنشر وثائقها وربما مع إطلاع الاخرين على الابداع الملاحظ في ممارسات الفساد هناك من قد يتورط في ذلك وخصوصا مع مشاهدته لما حصل عليه الفاسد او المخالف والمتواطئ من امتيازات وسلطة وسط غياب الرقيب. وبعيدا عن تسريب الوثائق المُعرفة بنظام عقوبات نشر الوثائق والمعلومات السرية وافشائها الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/35 وتاريخ 8/5/1432ه ونطاق المخالفات التي نص عليها النظام والتشدد المطلوب في تطبيق النظام على المتسبب في تسريب تلك الوثائق، فان ما يعانيه المجتمع حاليا هو تسريب وثائق ومعلومات لا تتعلق بمعلومات سرية مؤثره على الدولة وسياساتها ولكنها تُنشر على انها فساد او مخالفة للإساءة لمسئول او جهة حكومية او خاصة، وقد تكون كشفا لفساد حقيقي او انها تعطي ايحاء خاطئا بوجود فساد او تجاوز، الا انه مع تداول تلك الوثائق والمعلومات - حتى وان كانت مغلوطة - فإنها ترسم صورة سلبية عن الجهة او المسئول الذي تنسب له بارتكابها حتى وان أوضحت الجهات المختصة لاحقا حقيقتها، وفي الجانب الاخر فان الغموض والتعامل بسرية غريبة مع معاملات عادية تُنجز عادةً وفق أنظمة وتعليمات محددة معلنة للجميع مثل تعيين او ترقية موظف او ترسية منافسة تمت وفقا للنظام والحرص على حجب معلوماتها عن إدارات رقابية داخل الجهة او الشركة يدعم انتشار الشائعات ويحرص الموظفون على الاحتفاظ بصور منها للمستقبل خشية سطوة المسؤول لكونها تعطي انطباعا بوجود تجاوز، أي ان الجهة أحياناً تخلق مشكلة ليس لها وجود بسبب التكتم والخطابات السرية لأعمال تمت وفق أنظمة واضحة! والمؤسف انه مع توجه الدولة للتوسع في تطبيق البرامج التقنية والحكومة الالكترونية والربط الالي بين الجهات الحكومية والخاصة ذات العلاقة، تحول بعض مسؤولي الجهات الى انجاز معظم المعاملات عبر الورق وبأرقام سرية يتم تناولها يدويا حتى لا تتسرب عبر الربط الالي بين الإدارات او مع الجهات الأخرى، بل اصبح هناك حجب لتزويد بعض الجهات بصور من القرارات او الخطابات التي نصت الأنظمة واللوائح على تزويدها بنسخة مما يصدر كوزارة الخدمة المدنية او المالية او التقاعد والتأمينات الاجتماعية او هيئة الزكاة والدخل ..الخ خشية انكشاف الامر سواء كان عملا نظاميا او بتجاوزات وفساد، وهو ما يسيء لعمل الجهة وقد يتفاجأ المسؤول الأول بما يحدث بجهته. كما يجب الا نغفل عن عدم التفاعل باحترافية من قبل بعض الجهات الرقابية عند ابلاغها بالتجاوزات قبل نشرها بوسائل التواصل الاجتماعي بالبحث بعمق في الادعاءات بالتجاوزات وإعلان العقوبات، بل انه مع نشر المعلومات في وسائل التواصل الاجتماعي يجب ان يشعر المجتمع باستقلالية الجهات الرقابية وانها تحرص بالتحقق مما ينشر من وثائق ومعلومات حتى وان كانت غير مكتملة لكونها الجهات التي لديها الإمكانيات لكشف الحقائق كاملة وفحص ما يطلق عليه بالأنظمة التقنية وآلية عملها ومدى الموثوقية بها وموظفي الشركة المشغلة وكفاءة أعضاء اللجان التي قد تضفي الشرعية على التجاوزات! ويجب النشر للجميع بنتيجة ذلك والعقوبات لرفع درجة ثقة المجتمع بجهاته الرقابية وأيضا لحث مسؤولي الجهات على الوضوح في إجراءات العمل المعتادة مع جميع المعاملات الشبيهة لمحل الملاحظة حتى لا تتوفر البيئة المناسبة لانتشار الشائعات.