أشار استقصاء أُجري مؤخرا أن البريطانيين لا يزالون عند تعنتهم ويرفضون استخدام النظام المتري للمقاييس كبقية الشعوب الأوروبية (ويبدو هذا متسقا مع قرار خروجهم من الاتحاد الأوروبي). ويشاركهم في هذا العناد أبناء عمومتهم في أميركا وكندا واستراليا ونيوزلندا حيث الإصرار على استعمال ما يسمى النظام الامبراطوري القديم (القدم والياردة والباوند).. ومن المعلوم ان النظام المتري اختراع فرنسي بدأت فكرته ايام الثورة الفرنسية ثم تبنته معظم دول العالم؛ وقد بدأ كمشروع جريء عام 1790 حين طلبت الحكومه الفرنسية من اكاديمية العلوم وضع نظام بسيط وموحد للمقاييس. وفي النهاية توصل علماء الاكاديمية الى نظام عشري (يعتمد على العشرة ومضاعفاتها) وتبنوا وحدة طول طبيعية دعيت "المتر" (وتساوي عُشر مليون ربع طول الخط الواصل بين قطبي الارض أو ما يعادل 1/40,000,000). وبعد ذلك بخمس سنوات اعتمد النظام المتري بشكل رسمي في المقاطعات الفرنسية وحفظت القيمة المعيارية للمتر بقضيب بلاتيني اودع بالأرشيف الوطني بباريس واعتبر مرجعا لآلات القياس حول العالم! ولا نبالغ إن قلنا ان بساطة ووضوح النظام المتري من أسباب تبنيه حول العالم. فهو نظام سهل الفهم يعتمد على فكرة "التضاعف العشري"؛ فكل عشرة مليمترات تساوي سنتيمترا واحدا، وكل عشرة سنتيمترات تساوي ديسيمترا واحدا، وكل عشرة ديسيمترات تعادل مترا واحدا.. وفي المقابل لاتوجد هذه العلاقة التسلسلية الواضحة في النظام الملكي البريطاني حيث العلاقه بين القدم والياردة تعادل (3) في حين ان العلاقة بين الانش والقدم تعادل (12)، والعلاقة بين الياردة والميل تعادل (1760).. وغني عن القول إنه قبل انتشار النظام المتري استعمل البشر مقاييس محلية مقتبسة من الاعضاء البشرية (كالقدم والذراع والشبر)، فلقياس الطول مثلا استعمل المصريون الذراع (وتعادل 0,525 متر) ووحدات بشرية اصغر كالقدم والكف والاصبع. اما الكلدانيون فاستخدموا الشبر (ويعادل 0,270 متر) في حين اخترع الاشوريون الفرسخ لقياس المسافات الطويلة (ويعادل 5820 مترا).. أضف لهذا ورد ذكر "الذراع المقدسة" فى الانجيل كوحدة قياس (تساوي 635,. متر) وورد فى السنة المطهرة ذكر الصاع والمد كوحدة لقياس الوزن والحجم "اللهم بارك لهم في صاعهم ومدهم".. على أي حال لم يبدأ تبني النظام المتري على مستوى العالم إلا بعد المؤتمر الاول للمقاييس الذي عقد بباريس عام 1875 وفضلت بريطانيا حينها الاحتفاظ بنظامها الخاص (كما هو موقفها اليوم مع اليورو). وبعد ذلك باربع سنوات صنعت فرنسا نماذج معيارية للمتر والكيلومتر وارسلتها للدول المشاركة. وحتى نهاية القرن الثامن عشر كانت الوحدات القياسية الصغيرة كافية لانعدام الحاجة لقياسات تقل عن "المليمتر". ولكن بعد التقدم المطرد للتكنولوجيا برزت الحاجة الى وحدات اصغر واصغر فابتكرت وحدة عشرية جديدة تقل عن "المليمتر" تدعى "ميكرون".. .. بقي أن أشير الى أن رفض الشعوب الناطقة بالانجليزية للنظام المتري (رغم تبنيه رسميا من قبل حكوماتها) ليس إلا مظهرا من مظاهر التعصب القومي وعراقة المنافسة بين الفرنسيين والانجلوساكسون.. هذا التعصب الذي سبب خلافات مشابهة على أنظمة التلفزيون القديمة (بال وسيكام وان تي سي) والاعتراف بمن اكتشف فيروس الإيدز، وتبني مناهج إسعاف مختلفة (يرى الإنجليز أنها فشلت في إنقاذ الليدي ديانا)!.