للوسم والأنواء قديماً في حياة سكان الجزيرة العربية عامة وفي بادية وحاضرة شمال المملكة خاصة, قيمة اقتصادية, واجتماعية كبيرة, ففي أنوائه تتغير الأرض بالتدريج حسب سقوط الأمطار في أيام أنواء الوسم, وتستعد لظهور الخيرات, وعلى الوسم يعتمد اقتصادهم الذي يشكل اعتمادهم الغذائي عليه, وعلى انتاجه طوال العام, في حال جاءت الأنواء بما تهوى انفسهم بسقوط الأمطار فيها, ولكل نوء عدد من الأيام يعرفونها وله مواصفاته, ويستبشر سكان الجزيرة العربية بدخول الوسم من 16أكتوبر, ويستمر لمدة خمسين يوما, وفي أيامه أعظم موروثات أسلافنا, وفيه الغنى والفقر يقول الشاعر في تمنيه لو أن كل السنة وسوم بحيث يتبع الوسم وهو دليل ما يحمله من خيرات يفرح بها سكان الجزيرة كافة: عساه وسم ويتبع الوسم بوسوم ويدعي هشيم القيظ تنبت عروقه وأمطار الوسم هامة في حياة البادية لأن أنواءها تحمل أنواعا من الأعشاب النادرة, وتقوم الزراعة التي يمارسها بعض سكان البادية بطريقة بدائية لا تتعدى بذر حبوب القمح والشعير والبطيخ والشمام والدخن وغيرها في أماكن الزراعة وانتظار أمطار الوسم. وهناك كوارث تحدث من احتباس المطر تؤثر في حياة البادية الاقتصادية, والبيئية, والبشرية, والحيوانية, كالجفاف, والقحط, والجوع, يقابلونها بنجعات كبيرة في البحث عن الحياة في أماكن أخرى لم تطلها الأحداث, فكانت بلاد الشام وفلسطين ومصر والسودان وجهتهم, لارتباطها معهم بالحدود, وللبحث فيها عن الرزق يقول الشاعر حمدان بن عزام الحويطي حيث تذكر تلك الايام الجميلة, وهم يستقبلون الضيوف, وأخذ يذكر سبب هجرتهم, وخوفه عليهم من طمس قلوبهم في تلك الديار بنسيان ديارهم: ايامنا مثل الركاب المقافي جيت أتلحقهن وهن قوطرن امس والضيف ما نعطيه غير العوافي والا العلوم الاولة مالها رمس والمحتذي في ايامنا تقل حافي والطور ظله ما يظلل عن الشمس وين البيوت؟ ووين هيل الملافي؟ وا قلبي اللي عقبهم منحمس حمس أونس في قلبي مثل دق الأشافي كنّه طريح فراش ولا يداني اللمس هنيت خبلٍ ما يعرف القوافي ولا يدري إنْ الستة أكثر من الخمس والمنبطح تسفي عليه السوافي مثل الذي يركض وغاشي له الطمس عندما يتأخر هطول المطر في الوسم, يبدأ الخوف يسري لقلوب سكان شمال غرب المملكة, لخوفهم مما يتبعه من سوء في الأحوال, وتغير في الأرض للأسوأ, والتي تغير حتى في عاداتهم التي يتفاخرون بها, فيضطرون للتنازل عن بعضها, بسبب هذا القحط الذي يجبرهم على تركها مرغمين, وتسبب لهم الحسرة في عجزهم عن القيام بها كما كانوا في الرخاء. وما يميز المجتمع في شمال غرب المملكة وهي صفة معروفة عند جميع سكان الجزيرة العربية قديما, أنهم يعذرون بعضهم في أوقات القحط بالتنازل عن واجباتهم كضيوف, وهذا يدل على عظم تقدير الظروف الاجتماعية في الجزيرة العربية, وتدلل قصيدة الشاعر موسى بن حامد البلوي حيث يقول في قصيدة منذ أكثر من مئة عام, وقد رسم صورة حية لمنظر الجفاف وحال المجتمع الاقتصادي والاجتماعي واتجاه الهجرات: يا جبارة أنا في الحضيرة لحالي وسويت فنجالا على الكيف مشهاة القرم تلقى نظرته للدلالِ واللاش تلقى مقعده عند عذراه قمت امتني من طيبين السبال ونريد شوف الضيف لو ما نفعناه وان جن مع دربا بعيد الخوالي يا زين ذبح اللي فرح فيه من جاه كلٍ على الزينات وده يتالي وسنيننا في عوز والقل ماذاه يوم الرجال أدعت سواة الهمالي وديارهم غدت من المحل مجفاه فيهم نحى قبلة.. وفيهم شمالي وقام الخوي يمشي ولا يلد لخواه وجدي على اللي علقت بالغزالي ما شافت عيوني سهمها يتعداه وجدي على اللي يبعدن المدالي من محلقات الفيد يوم الملاقاه واللي يبيّن في رفيقه خلالي يا زين حلقة شاربه مع ملحاه ما بأرض هالدنيا عليها ظلالي لابد من يومٍ رفيقك تطرّاه عساه وسم ويتبع الوسم بوسوم ويدعي هشيم القيظ تنبت عروقه وهناك سنوات حدثت فيها كوارث حفظها الموروث الشعبي كسنة لوفة التي حدث فيها دهر شديد, واحتبس المطر, وقل الماء, وانتشرت الأمراض, ومات خلق كثير, ونفق من الحلال أكثره, ما حدا أكثر سكان البادية في شمال غرب المملكة للهجرة إلى الشمال هربا من هذه الأحداث المريعة, التي شتت الخلق فسميت أيضا سنة " شتّة " نسبة للشتات الذي حصل للمجتمع, وحدثت سنة لوفة في أثناء الحرب العالمية الثانية عام 1364ه/1365 فانقطعت الأرزاق "المواد الغذائية" بسبب الحرب من سوق الوجه, الذي يعتمد عليه المجتمع, وسميت أيضا سنة (حشرة العيش) بسبب انقطاع الأرزاق, وسنة معيض: 1366ه . وهي سنة أعاض الله بها العباد بعد عام (لوفة) حيث هطلت الأمطار بكثرة في وقت الوسم وتغيرت الأرض للأفضل وعم الخير وانتشر. أمطار الوسم تنبت الأعشاب الصحراوية ومنها النفل والفقع