الرئيس الأميركي أوباما أتى للرئاسة في سابقة تاريخية دعمتها رغبة التخلص من حكم حزب الجمهوريين بسبب إدارة الرئيس بوش الابن، والذي وصفه ديمقراطيو بلاده آنذاك بأنه أسوأ رئيس حكم أميركا، لما رافق فترة رئاسته من سقطات في مستنقع العراق أفرزت عديدا من المذابح والدمار والفوضى، فضلا عن مغامراته بتعطيل ما تفرد به القانون الأميركي من ضمانات دستورية لحفظ الحقوق والكرامة الإنسانية تحت ذريعة مكافحة الإرهاب؛ لكن ومع بداية الفترة الثانية لرئاسة أوباما بدأت تظهر معالم تدني شعبيته، نتيجة فقدان أميركا لهيبتها وعجزها في التعامل مع الملفات الشائكة كملف الأزمة السورية وما تمخض عنها من إفرازات وتمدد لمنظومات إرهابية جديدة، يضاف لها سقطات الاتفاق النووي الإيراني وما تضمنه من تفاهمات مشبوهة؛ لذا توج أوباما فيما بعد بلقب أسوأ رئيس حكم أميركا، متفوقا بذلك على سلفه الذي حلّ بعده بحسب استطلاعات للرأي العام الأميركي، بل وتأكدت بعد ذلك رسالة عدم رضا الرأي العام عنه في فترة رئاسته الثانية جراء الفوز الكاسح للجمهوريين بأغلبية المقاعد في مجلسي الشيوخ والنواب وأغلبية حكام الولايات في الانتخابات النصفية الماضية. ما دعاني إلى البدء بطرح هذه المقدمة هو ما تكشف مؤخرا عن فضيحة نشرت تفاصيلها صحيفة (وول ستريت جورنال) الأميركية عن قيام إدارة الرئيس أوباما بدفع ما يساوي مبلغ (400) مليون دولار أميركي لنظام الملالي في إيران من أصل مبلغ حجمه (1.7) مليار دولار حجز قبل قيام الثورة الإيرانية، في صفقة أثارت العديد من علامات الاستفهام نتيجة نقلها نقدا في صناديق خشبية على طائرة شحن لا تحمل علامات، وتزامن عملية التسليم والاستلام للمبلغ مع الإفراج عن أربعة أميركيين كانوا محتجزين لدى طهران بتهمة التجسس والعمل لمصلحة "العدو" أمريكا؛ تلك الصفقة وصفها المنتقدون من بعض الساسة والإعلاميين الأميركيين "بالفدية" مقابل الأفراج عن المحتجزين، وهو وفق وجهة نظرهم ما يشكل خروج على ما استقر عليه النظام الأميركي من مبادئ تمنع التفاوض مع الإرهابيين، لأنه قد يعرض مصالحهم لمخاطر مستقبلية مماثلة. باستقراء وقائع الصفقة نجد بداية أن عملية النقل والتسليم المادي لمبلغ نقدي بهذا الحجم غير مألوفة في التعامل، وتتعارض مع ما صاغته منظومة المجتمع الدولي من معايير لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتي تتلخص في الحث على استخدام الأدوات والوسائل المصرفية المتاحة لتحويل الأموال عبر منافذ المؤسسات المالية الرسمية، بدلا من التعامل النقدي المباشر أو النقل المادي لها عبر الحدود الوطنية؛ تلك المبادئ فيما بعد دمجت ضمن أحكام القوانين الوطنية الخاصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وعليه جرمت تلك الممارسات باعتبارها تنطوي من حيث المبدأ على مؤشرات غسل أموال أو تمويل إرهاب. ولهذا نقول إن ما قامت به إدارة الرئيس أوباما عنوة من نقل مبلغ نقدي بعملات أجنبية غير الدولار الأميركي عبر الحدود وخارج منظومة المؤسسات المالية، لا يعكس سوى وجود النية المبيتة "لطمس" أثر الحركة المادية للأموال (Follow the money trail)، وبالتالي إلغاء فكرة احتمالية رفع أي دعاوى لعدم تحقق المتطلبات القانونية لانعقاد الاختصاص القضائي بنظرها، إذا ما تم استخدام تلك المبالغ في تمويل عمليات إرهابية مستقبلية من قبل نظام الملالي، والتي تعلم السلطات الأميركية وأجهزتها علم اليقين بحصوله لا محاله؛ فجهود الالتفاف على المعايير المستقر عليها دوليا في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتي لطالما دفعت أميركا بفرض تطبيقها على كثير من دول العالم عدا إيران، أو محاولة التبرير المكشوفة لما حصل بالقول بعدم وجود تعامل بين البنوك الأميركية والإيرانية نتيجة العقوبات "الوهمية" المفروضة على طهران أصلا، إنما يعكس حالة من التضليل المقصود على المجتمع الدولي وخرق لمقومات السلم والأمن الدوليين؛ بل ويتنافى كلية مع ما أطلقه البيت الأبيض مؤخرا من تصريحات تحذيريه صريحة للسلطات الإيرانية من الاستمرار في دعم حزب "الشيطان"، المدرج على قائمة الإرهاب، والتشكيك في معرض هذا التحذير من صعوبة حصول هذه المنظمة المجرمة على التمويل عن طريق السيولة النقدية؛ بينما في المقابل تلبي أميركا الأمنيات وتختصر المسافات بوضع (الكاش) بين يدي نظام الملالي لمزيد من الدعم للإرهاب العالمي، باعتباره الراعي الأول والممول الحصري لكافة عمليات ومستلزمات حزب "الشيطان"، وفق لما جاء على لسان أمينه المنشور إعلاميا. [email protected]