بينما يعزو الكثير نمو صناعة التأليف في وقت ما لقوة المناهج وغزارتها، إلاّ أنّهم يلومون المؤسسات التعليمية على الحال الذي أصبحت عليه مخرجاتها، معتبرين أنّها لا تساعد في تخريج طلاب قادرين على اقتحام عالم الكتابة والتأليف وهم على مقاعد الدراسة، حتى بات العديد منهم متسائلاً عن الخطوات التي يجب أن يسلكها المرء كي يصبح كاتباً؟ هل يعتمد على نفسه أم يلجأ إلى آخرين؟ ومن هم هؤلاء الآخرون؟ هل ثمة مؤسسات أو جامعات أو برامج تعنى بصناعة الكاتب في عالمنا العربي؟ طرحت "الرياض" هذه التساؤلات على عدد من الكتاب والشعراء والمؤلفين، من أجل الوصول إلى وصفة مفيدة لمن يريدون سلوك طريق الكتابة. الشغف والصبر "لو سمعت كلام المثبطين لما كتبت حرفاً"، هكذا يستهل المدون الشاب حمد الكنتي حديثه ل"الرياض"، وهو يحكي عن بداياته في الكتابة، والتي كانت "المنتديات" ساحتها الأولى، قبل أن يتجه إلى النشر في الصحف الورقية والإلكترونية حيث كتب مقالات تصل إلى خانة المئات. وأضاف: "عانيت في بداياتي من نقد أشخاص من الأقارب والأصدقاء، كانوا يقولون لي: لا أحد يقرأ اليوم فلماذا تكتب؟ وعانيت من عدم النشر حيث راسلت الصحف عاماً أو أكثر قبل أن يُنشر لي مقال واحد، ولكني صبرت حتى نشرت لي إحدى الصحف مشكورة أول مقال، ولي في النشر سنوات عديدة لم أتقاضَ فيها ريالا واحدا حتى الآن فكل الصحف ينشرون لي بدون مقابل". طلابنا بحاجة لتكريس مهارات التفكير النقدي والابتكار تحرّق مستمر ويتحدث د.عبدالرحمن غنم ل"الرياض" عن تجربته الشخصية في التأليف فيقول: تأليف كتاب ونشره كان أشبه بانفجار، لم يكن أبداً عملية تعليمية مدروسة، كان التقاطات من هنا وهناك، وحضور محاضرات لأدباء، واستثمار وجودهم وعرض أعمالي عليهم، أو ببعض الدورات على الإنترنت، وبتعليم ذاتي من بعض من له فضل عليّ أيضاً، كان الدافع تجاه كلّ هذا هو التحرّق المستمر للتعبير عن الوجود وللاستجابة لغريزة البقاء والخلود، كان صرخة في وجه العدم الذي أراه يقترب يوماً بعد يوم ليفترسني، وكذلك صرخة في وجه المطارق التي تهشّمنا وتهوي علينا من أماكن مختلفة، وحتى اللحظات الأخيرة لم أكن أود أن أرتكب جريمة النشر، لعدة أسباب، أهمها أنني لست متأكداً تماماً من أن هذا الكتاب يستحق النشر حقّاً، وذلك لغياب المعايير، ثمّ في لحظة ما، يدفعك امتلاء ما، أو شخص مؤمنٌ بك، إلى النشر. لا تعتمد على الآخرين الكاتب هشام الحربي يقول: باستطاعتك زيارة أقرب نادٍ أدبي في منطقتك والاطلاع على إصدارات الشباب كيف هي، ستجد أن الريادة تكون للكتّاب المخضرمين الذين ينشرون أعمالًا (مهما كانت) حتى لو كانت تضرُ بالحس الجمالي والأخلاقي للمجتمع، فهدف كل مجلس إدارة لأحد الأندية للأسف وليس الكل هو أن يكتب له اسم معروف حتى تُمدح إداراته ويكون لها الحق والمكانة في الاستمرارية، ضاربًا بعرض الحائط أقلام الشباب اليافعين، إلا إذا أتى من توصية كاتب ما أو أن عمله قد أعجبهم، لكن، هذا ليس الفردوس المنتظر للكاتب لكي يخرج بعمله للملأ ويُقرأ، لأنه سوف يمضي شهورًا طويلة أكثر من اللازم حتى يرى ذلك على أرض الواقع. هل يمكن تعلّم الكتابة يقول الشاعر د.عبدالله مودان: الكتابة مثل أي موهبة أخرى تنطوي على استعداد قبلي، وهناك ما لا يمكن تعلمه ولا اكتسابه فيها، والعون الذي من الممكن أن توفره المؤسسات الثقافية للكتاب الشباب هو فرص للالتقاء بالكتاب الكبار والمعروفين، فالاحتكاك بهم يمكن أن يدفع الكاتب للتحسن، وسوى ذلك، لا أرى أن المؤسسات الثقافية أهلية كانت أم رسمية يمكن أن تكون ذات عون أكبر، والدورات التي يتم تقديمها بمبالغ باهظة لتعليم الكتابة قلما تنتج كتابا حقيقيين. ويبدو أن للكاتب د.عبدالرحمن غنم وجهة نظر في جدوى تعليم الكتابة إذ يحكي أنه يرى مدارس تعليم الكتابة الإبداعية تنشر إعلاناتها في كلّ مكان، كأي مدرسة أخرى لتعليم اللغات أو الموسيقى أو الرقص، مضيفاً أن الكاتب في ألمانيا ينضج تدريجيّاً بدراسة وتعلم مهارات الكتابة، ثمّ عند التخرج يكتب كتابه الأول. التجارب والمهارات فيما رأى الكاتب عمر فلاتة أن هناك عوامل أساسية يلزم توافرها لتكوين شخصية الكاتب ومنها التجارب الشخصية ومهارات التفكير، مؤكّداً أن بيئتنا تفتقر لمناخ تمكين يسمح للكاتب بخوض تجارب ذاتية تُفَعِّل مخيلته، وتُشْرِع له أبواب الممكن، ملقياً باللائمة على النظام التعليمي الذي لم يتطرّق بشكل جادّ وممنهج لتدريب الطلبة على مهارات التفكير النقدي والابتكاري، والتي تمنح الكاتب أدوات تُمَكِّنه من التعبير عن تجاربه وأفكاره ضمن سياقات واضحة ومرتبة. نصائح للسالكين ذكر د.عبدالرحمن غنم: إن على من يريد الكتابة أن يكمُن وينضج، عليه أن يكون حكيماً، متعلّماً، من يريد الكتابة عليه أن يخطو خطوات نحو ذاته، أن يعرفها ويسافر فيها، والكتابة تأتي كمخرج أخير للتجربة الإنسانية التي عاشها، والتي هي فريدة كفرادته، ثمّ سيكون كتاب مقروء يحترم القارئ ويليق بالكاتب. وعن المطلوب فعله من الكاتب الشاب؛ يقول هشام الحربي: على الكاتب أن يكتب، فقط ليجلس وينزف دمًا ويكتب، كما يقول همنغواي، ولا شيء يُعلم الكاتب في أمر الكتابة إلا الكتابة نفسها، ألا يعتمد على الآخرين، ولا يجلس ويفكر فيما سيكون عليه رد فعل القُراء حينما يقرؤون هذا أو ذاك، وعليه ألا يتعجل النشر. أما د. عبدالله مودان فيرى أن الكاتب شخص أنضجته التجربة، والتجربة لا يمكن تعليمها وإنما خوضها، التجربة بجانب الاستعداد القلبي والرغبة الشخصية في الخلود والبقاء في الذاكرة هي محددات مهمة للكاتب الجيد، وحين يكتشف شخص ما في نفسه هذه العناصر فعليه ممارسة الكتابة على كل حال، والاحتكاك بمن يشاكله ويشاركه همّ الكتابة، وإدامة القراءة والاطلاع على المعارف الإنسانية، وتلك أمور تقع على عاتق الكاتب وحده، وعليها يكون الرهان. يقيم الكتّاب الشباب بجهودهم حفلات تدشين لإصداراتهم الأدبية حمد الكنتي عمر فلاتة عبدالله مودان