مفردة جديدة في لغة الخطاب السعودي السياسي تعبّر عن مبادئ الدولة وثوابتها في دعم السلم العالمي، والأمن والاستقرار، والحوار الذي ينتهي إلى موقف والتزام أخلاقي، ويتجاوز ما ينتج عن الصراع من أزمات وكوارث إنسانية. هذه الدبلوماسية الاستباقية -التي عبّر عنها ولي العهد في كلمته أمام قمة الأممالمتحدة للاجئين والمهاجرين- تعكس توجه المملكة منذ تأسيسها كدولة مبادئ ومصالح في علاقاتها الخارجية، وتعزيز مكانتها الدينية، ونفوذها السياسي عربياً وإسلامياً، ومتانة اقتصادها من بين أفضل عشرين اقتصاد عالمي، وهي مؤشرات على أن من يتحدث هذا النوع من الدبلوماسية ليس في حالة ضعف، أو تردد، أو يعيش على هامش المساعدات والهبات، وإنما دولة لديها الإمكانات، والطموحات، والعلاقات، ومع ذلك تنشد استقراراً يسود العالم بلا حروب، وتتحقق معه التنمية للأرض والإنسان معاً. المملكة على قناعة من أن المعاناة الإنسانية خلفها حروب ونزاعات مدمرة، وخصومات وصلت إلى حدٍ لا يطاق من القطيعة والتوجس، وعلى قناعة أكبر من أن الحل الدبلوماسي الاستباقي أفضل وسيلة للتسوية والخروج من الأزمات بأقل الخسائر، ومع هذه القناعات لم تلقِ باللائمة على المتورطين في الحروب والأزمات وتتخلى عن مسؤلياتها الإنسانية والإغاثية، بل وصلت إلى المرتبة الثالثة عالمياً في العمل الإغاثي، وتجاوزت تبرعاتها 139 مليار دولار خلال العقود الأربعة الماضية، وهو رقم كبير يضاف إلى رصيد المملكة الإنساني، ويبعث برسالة عالمية من أن المملكة على مسافة واحدة من شعوب الأرض بلا تمييز، أو تسييس في تقديم المساعدات، وأيضاً في تكريم واحترام الإنسان؛ فهي لم تسمِ السوريين أو اليمنيين لاجئين، وإنما زائرين، ولم تضعهم في مخيمات أو معسكرات لجوء، بل على العكس وفرت لهم التعليم والصحة بالمجان، وسهّلت لهم فرصة الحصول على عمل، وهذا قمة الوعي السياسي والإنساني الذي يميّز المملكة في تعاملها مع ملف اللاجئين والمهاجرين، كما أنها لم تستلم دولاراً واحداً من منظمات الأممالمتحدة على الرغم من وجود أكثر من ثلاثة ملايين زائر يمني وسوري على أراضيها، كما تفعل دول كبيرة وغنية، وإنما ارتضت أن تكون دولة مانحة، وداعمة بشهادة الأمين العام للأمم المتحدة. الدبلوماسية السعودية الاستباقية تعبير آخر عن وضوح الرؤية السياسية لما يجري في العالم، واتخاذ القرارات منها، خاصة من تلك القضايا ذات التأثير الجيو سياسي في دول المحور العربي، حيث لا تزال ترى في المرجعيات الثلاث حلاً للأزمة اليمنية، ومقررات «جنيف واحد» مخرجاً من الجحيم السوري، ومقررات «كامب ديفيد» أساساً للتعامل مع الطموح الإيراني في المنطقة، ومبادرة السلام العربية وسيلة لحل الدولتين، وغيرها من القرارات التي كانت المملكة تعتلي المنابر الدولية لشرحها ومناشدة المجتمع الدولي تحقيقها، وهي مهمة أخرى حين تكون المملكة بثقلها ومكانتها راعية للسلام العالمي، ومصدر ثقة الدول والشعوب والمنظمات، حيث يرى الجميع أن صوت المملكة مسموعاً ومرفوعاً ومحفوظاً بالمكانة والتقدير، وهذا دليل آخر على أن مصالح المملكة لم تطغَ على مبادئها، وإنما حافظت على حضورها المؤثر، وبادرت بالحلول ولم تتوقف عندها، بل تعمل دبلوماسيتها وتتحرك في كل مكان لتحقيق غاية السلم العالمي. ولي العهد -الذي يلقي كلمة المملكة أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة- سيكون أكثر وضوحاً في التعبير عن المواقف السياسية للمملكة، وأكثر تقديراً لمبادئها ومصالحها معاً، وأميناً في نقل الواقع الذي يعيشه العالم، ومنطقة الشرق الأوسط تحديداً من قضايا الصراع، والإرهاب، والطائفية، والأوضاع في سورية واليمن، والتدخل الإيراني السافر في شؤون المنطقة، وهي الكلمة التي يُصغي إليها العالم، ويمنحها مزيداً من الاهتمام السياسي والإعلامي، وتتناولها مراكز البحث بالتحليل العميق؛ لأنها باختصار تعبّر عن موقف أمة وليس وطن يدرك الجميع أنه على قدر كبير من الثقة والمسؤولية.. والهيبة أيضاً.