سأعود بكم لما قبل بدء عامنا الدراسي الجديد، ودائرة "حمراء" قد يراها البعض ولا يعيها الآخر أو قد يوليها اهتماماً، وأولهم أسفاً هم التربويون وأولياء الأمور؛ فبعدما أقفى شبح اختبارات العام المنصرم ورعبه من نفوس الطلاب، ولم يزل التوتر حينها كعادة سنوية تخيّم على قلوبنا حتى معرفة النتائج واستلام الشهادات ليفرح الناجحون بنجاحهم، ويعود غيرهم بإشعارات الإكمال والرسوب تحت وطأة حكم ورقة بيضاء بالفشل أوالنجاح !. فالفريق الأول طاروا من الفرح، وطار بهم نحو إجازات ورحلات سفر وسياحة وحلق معهم الأهل بسعادة وسرور، والفريق الثاني مثبط للعودة إلى بيته ويتمنى انشقاق أرضٍ وابتلاعاً بماينتظره هناك؛ فإن سلم من الضرب والتوبيخ والإهانة من قبل والديه فإن نفس اللون الذي وضعت به "دائرة حمراء" على مواده التي أخفق بها ولم يبلغ الحد الأدنى لتجاوزها؛ سيضعها حوله أهله ومعارفه لتحول بينه وبين العطلة الصيفية، فلا متعة كمتعة أقرانه الناجحين يتذوقها، بل همّ وغمّ يقضي الإجازة بين الجد والاجتهاد، والمذاكرة والمراجعة المكثفة مع الشعور بالذنب كذلك!. أرباب التربية والمختصون يعلمون ماقد يوصله الإخفاق في نفسية الطالب من الحزن والإحباط ويمتد نحو الوالدين والمجتمع وأكثر، لكن ما "لا يراه" بعض التربويين مبرراً هو مفاجأة الأسرة بنتيجة ابنهم؛ إذ أن من غير المعقول ألاّ يستطيع الوالدان التنبؤ بنتيجة ابنهم، والمؤشر الغريب أيضاً، التفاجؤ برسوبه ليقتضي أنه دليل دامغ وكبير على إهمالهم إياه وعدم متابعتهم له خلال العام الدراسي أصلاً !. وقد تعكرت أجواء العطلة الصيفية لمن كانت نتيجتهم مخفقة دراسياً، ثم أعادوا سنتهم الدراسية عاماً دراسياً جديداً، وبمنعطف آخر تماماً؛ يأتي أولاً دور الوالدين حتى لا يخفقوا "هم" مرة أخرى؛ بأن يكون رد فعلهم تربويا ناجحا يقابل نتيجة "ابنهم" غير المرضية بإحداث تأثير إيجابي يمنع تكراره، ويأتي الدور التربوي الناجع، وليس العقاب والنًّهر والاستهزاء الذي يضاعف من المشكلة ويتسبب بعقدة نفسية للابن، بتكثيف التوعية والتوجيه وقبلهما التحفيز بأن الفشل هو أولى خطوات النجاح، ثم العمل تدرجّاً بالواجبات والمهام الجديدة بعادات جديدة خلاّقة عن سنته السابقة، مع تحديد أوقات وأنشطة ترفيهية محفزة وفق جدول زمني منظم، مع الوضع في الاعتبار وفي نفس الوقت إشعار الابن برقيّ؛ بأن تقصيره وإهماله العام المنصرم سبب تغيراً غير متوقع منه !. ومحصلة بديهية مع قليل من الكياسة والأساليب التربوية الفعالة الواجب على الآباء والأمهات انتهاجها في مثل حالات الإخفاق الدراسية، أن تكف ألسنتهم عن المقارنة بين "الأبناء" والأخ الناجح وأخيه الراسب ليس فقط عند حدود الكلمات والأقوال بل وعلى مستوى الأفعال، فالتفريق بينهم وتمييز الناجح عن الراسب إخفاق تربوي يزيد من الطين بلة، وكيف لا يكون و"الإخفاق" الدراسي في نهاية العام هو الدرس المؤلم والأقسى في حياة الأبناء مهما وصل إهمالهم الذي لا توازي رسالته رسالة في عمقها النفسي، فما تريده أيها الأب وأيتها الأم من إيصاله فقد تكفل "الرسوب" أو الإخفاق به !. المحصلة الأخيرة من نجاحات الفشل، أن للأساليب والوسائل التربوية سحر عجيب ليس في قلب الأمور رأساً على عقب بل في تصحيح الخطأ وتعديل الصورة في إنسانية وذوق ورقي مبهج مفرح؛ فبدلاً من التمييز بين الناجح والراسب إلى الاستعانة بالناجح ليكون عضد أخيه وسنده ومعينه، إلى أن تكون الأسرة بأكملها رافعة لدرجة تأهبها لتعلن تضامنها المطلق مع هذا العضو فتغدق عليه من المشاعر والإحساس والشعور به الكثير حتى لا يفقد ثقته بنفسه فتتكالب عليه الأمراض النفسية بسبب تذكيره أو معايرته أو نعته بالفشل، وهكذا يتم نقله من التجربة التي يمر فيها بسرد قصص النجاح بعد الإخفاق لشخصيات مشهورة مرت بنفس تجربته وكيف استطاعوا أن يقهروا إخفاقهم، ويتجاوزوا تحديات سبب تعثرهم؛ فبمثل هذه القصص تقلص حجم المسافة بين اللحاق بركب الناجحين والخوف من مشاركتهم، كما أن من المهم أن يستطيع "الابن" المخفق أن يستخلص الدروس من تلك القصص التي من شأنها أن تؤهله في الدفاع عن نفسه في حال تعرضه للتجريح من قبل أي شخص، مع دفاع الأهل عنه ببسالة عندما يتعرض لمثل هذه المواقف. بقي ياسادة، أن "المعلم" المناسب والمحبب لدى الطالب في تدريسه في السنة المعادة والمكرورة لها مردود فعّال في انتشاله من حفرة "الرسوب" والإخفاق لتجاوزه نحو عامٍ دراسي جديد ومستقبلٍ بديعٍ !. [email protected]