محمد الصويان ما هي الأبعاد الثقافية التي يمكن للمبتعثين السعوديين إلى الخارج أن يضيفوها إلى شخصياتهم؟، وكيف يستفيد الوطن من هذه الأبعاد؟ سؤال طرحته "الرياض" على عدد من المبتعثين والأكاديميين، وكانت خلاصة الإجابات في هذا التحقيق: إضافة عقلية يقول نواف آل معتق، الذي يدرس القانون في جامعة جورج تاون، بواشنطن: يقال أن المقارنة هي أم العلوم، فبالمقارنة تعرف أين أنت، وما هو موقعك الحقيقي؟ ليس فقط على المستوى العلمي بل حتى على مستوى الثقافة والبناء والمهارات أيضاً، عندما حلت رحالنا في بلادهم، تغيرت لدينا الكثير من المفاهيم بداية من الحرص على الأمانة العلمية إذ لا يمكن أن تجداً شيئا مكتوباً إلا وهو مذيل بالمصادر والمراجع. ولا يختلف معه حمود الباهلي، خريج الدراسات العليا في اختصاص إدارة الأعمال من سدني، استراليا، إذ يقول: يؤثر الابتعاث ايجابيا من جهة أنه يحسن من (ملكة النقد)، في البلاد الغربية تنوع ضخم جداً في الآراء، الأزياء، الاهتمامات ونوعية الطعام، هذا التنوع الهائل يحث على المقارنة، والتي بدورها تحسن من الوعي وملكة النقد، استفدت شخصيا كثيراً من المقارنات التي أجريتها على الخيارات التي كانت لدي. فهم الثقافات ويوافقه أحمد القرشي، المبتعث إلى كندا للدراسات العليا في الهندسة الكهربائية، فيقول: الطالب المبتعث يواجه مجتمعات منفتحة فكريا وثقافيا، وهذا يزيد من قدرته على فهم الثقافات الأخرى وتفهم الأطراف الأخرى المُخْتَلِفة معه والتي قد لا تتوفر له فرصة لقائهم في بلده الأم. وفي ذات الإطار يضيف د. أبو بكر إدريس، الأكاديمي في مدينة بريتش كولمبيا بكندا، قائلا: الابتعاث والتغير هما مرادفان لبعضهما، لأنك ستتعلم لغة جديدة، وهذا سيكون مدخلا إلى تعايشك مع ثقافة جديدة ومحيط جديد، وهذا بحد ذاته سيوسع من مدارك المبتعث، وبالتالي ثقافته العامة وتقبله للآخر ورغبته في الحوار، وستفتح عليه أبواب اللهفة لمعرفة المزيد عن الثقافات الأخرى. ويتابع مع زيادة الحصيلة العلمية للطالب وهو في مقاعد الدراسة ستزداد حصيلته المعرفية، بالذات لو علمنا أن غالبية الطلاب المبتعثين هم مبتعثون إلى دول تتميز بأنظمة تعليمية قوية، وهذا سيكون له إضافة قوية للعملية التعليمية للطالب وبالتالي مقدار المعرفة التي يكتسبها. فيما تؤكد المبتعثة زينب حجار، المبتعثة في ماليزيا: أن الدراسة في بلد مختلف تجربة فريدة، يخرج فيها المرء من بيئته التي اعتاد عليها إلى بيئة وثقافة مختلفة، هذا التغيير يجعل المرء يلاحظ ويفكر في الأمور الجيدة في ثقافته -لأنه اعتاد عليها-، وأيضا سيكتشف الجوانب السلبية في ثقافته ويدعو إلى نبذها عند عودته، كما أنه سيتعرف على نواحِ إيجابية في الثقافات المختلفة وينقلها إلى مجتمعه عند عودته. تطور الوعي ويسجل د. أبو بكر إدريس ملاحظته عن الطلاب السعوديين الذين درسهم أو أشرف عليهم، موضحاً أنه يلحظ تطور الوعي لدى الطالب عند مغادرته مقارنة بالفترة الأولى من وصوله، وأرجع هذا إلى عدة عوامل منها: الصدمة التي تحدث للطالب المبتعث بسبب تغير الأكل والطقس والملامح التي يراها يوميا، واختلاف أنظمة المواصلات تعليمي والتعليم، كل هذه الأمور تصيب الطالب بصدمة أول ما يصل، ولكنه سيخرج من هذه الصدمة بمدارك أوسع ومعرفة أعمق، مضيفاً أنّه من المفيد الاحتكاك اليومي بالطلاب من جنسيات مختلفة، "أشاهد في كليتي يوميا طلابا مبتعثين يتبادلون أطراف الحديث مع طلاب من المكسيك، اليابان، كوريا، البرازيل، إيطاليا وغيرها من الدول، وهذا الأمر سيساعد الطالب على تغذية مخزونه الثقافي والمعرفي"، اتصال ثقافي أما المبتعث سامي الفليت، الذي يدرس في الولاياتالمتحدة فيتحدث عن الشغف الكبير لدى الشعب الأميركي في الاطلاع على الثقافات الأخرى والاتصال بها، فتجد المدرس والمهندس والطبيب يتقدمون للعمل لدى جهات خاصة وحكومية في عدة دول طلبا للاتصال الثقافي بالآخر ومعرفة ذلك إرثه، يتابع قائلا: إن الشعب الأميركي يتميز بحبه للقراءة، ويتجلى هذا الأمر عند رؤية كثرة المكتبات في كل طريق وزاوية لدرجة أنهم يضعون الأرفف للكتب في الشوارع والمقاهي، وهناك استجابة تساوي ذلك العمل فالكل يقرأ في كل وقت.، وهذا التوجه أثر في عدد من المبتعثين. التواصل الثقافي المبتعثة سوسن العتيبي، التي تدرس في كوالالمبور، تذكر أن العيش في مجتمع جديد يزيد من توسيع الآفاق، وربما إعادة النظر في معتقدات وموروثات كثيرة، وإعادة النظر في ترتيب كثير من المعارف في سلم المعارف الإنسانية، خصوصاً ما تعلق منها بالثقافات، ولارتباط الابتعاث بتعلّم لغة أجنبية -غالباً- فتعلم اللغة لوحده يعتبر ثورة عقلية، خصوصاً عندما يعيد الطالب سماع الخطب وترجمة القرآن بلغات أخرى، خصوصاً في مجالس الدعوة وخطب الجمعة، فيعيد فهم كثير من الآيات من جهات لم يكن تركيزه منصبّاً عليها. وتنصح سوسن المبتعث بأن يقرأ عن البلد الذي هو فيه، ويتعرّف عليه قبل أن يصل إليه، ويتعرف مع الوقت على الحكايات والأخبار المتعلّقة بهذا البلد، والعرقيّات الموجودة، ونبذة عن تاريخ البلد، ومن الجيد أن يزور المتاحف ويحضر المعارض والأيام الوطنية خصوصاً ليتعرّف على البلد عن قرب من خلال عيون أهله، ومع الزمن يفهم الكثير من طبيعة الشعب وطبيعة البلد وتاريخه، كما توصي بالاحتكاك بالناس وخصوصاً الطلاب والمجتمع الدراسي والأهم "السكن الجامعي" حيث يعين المبتعث على إعادة فهم الكثير من المفاهيم الفكرية والفلسفية التي شغلت الفلاسفة وكانت نشأتها من خلال المجتمع أصلاً. فيما يشير المبتعث محمد الصويان، الولاياتالمتحدة، إلى تجربة المكتبة بالكثير من الإعجاب قائلاً: إحدى التجارب التي أثرت على ثقافتي بشكل مباشر علاقة الطالب بالمكتبة، فهي هنا ليست مجرد كتب متكدسة على أرفف يعلوها الغبار كبعض المكتبات الجامعية عندنا والتي تعقد عملية إعارة الكتاب للطالب والإفادة من محتويات المكتبة. بث الوعي أولوية وعن الدور الثقافي للمبتعثين بعد عودتهم إلى الوطن رأى حمود الباهلي أن بث (الوعي) أهم ما يقوم به المبتعث، وذلك من خلال استيراد أفكار نجحت في بلاد أخرى وبذل الجهد في غرسها لدينا، مثلا لا توجد طريقة واحدة لمساعدة كبار السن أو توظيف من لديهم إعاقة بصرية، لدى الآخرين أفكار كثيرة جداً وتحتاج أن تنقل من هناك إلى هنا. بينما يوصي نواف آل معتق بأن يقاوم المبتعث العائد إلى الوطن حالة الانجرار إلى نقطة الصفر، وهي النقطة التي يعود فيها المبتعث إلى حالة ما قبل الابتعاث، وللوصول إلى هذه الحالة أسبابها النفسية والاجتماعية إذ بالوصول إليها يخسر المجتمع في تحقيق أحد أهم أسباب الابتعاث وهو الارتقاء بثقافة أبنائه والنهضة بهم. نقل التجربة من جهته بيّن محمد الصويان أنّ المهارات التي صقلتها الغربة تفيد مجتمعاتنا وبها يكون للمبتعث الدور البالغ في التأثير على من حوله حتى ولو أعوزته المعلومة، "لنأخذ على سبيل المثال لا الحصر الالتزام بالوقت، والانضباط؛ مما يؤدي لزيادة الإنتاجية، فحينما يعود المبتعث يحمل هاتين الصفتين ويوظف في إحدى المؤسسات الحكومية التي تعاني غالبا من هاته النقاط، فهو يفرض التغيير على من حوله بشكل مباشر وغير مباشر". وينصح نواف آل معتق المبتعثين العائدين إلى الوطن ببث الوعي من خلال التحدث للآخرين عن تجربة الابتعاث، فالابتعاث لم يكن يوماً لجلب العلم الخالص فقط، فالعلم يقوم ويتطور على قيم أخرى وفي بيئات حاضنة، وقد تكون هذه القيم والبيئات الحاضنة أحياناً من العلم نفسه فالعلم يتبدل والقيم لا تتبدل، مؤكّداً على أهمية اشتغال المبتعث العائد بالترجمة، مطالباً أن لا تتم معادلة أي شهادة حتى يقوم المبتعث بترجمة إما كتاب كامل في تخصصه الدقيق أو ترجمة عدة مقاطع علمية من عدة ساعات في تخصصه، وهذا المقترح لو طبق ورأى النور فسيثري المحتوى العربي علمياً وثقافياً. تدوين التجربة أما زينب حجار فتدعو المبتعث إلى مشاركة تجاربه عن طريق التدوين واستخدام وسائل التواصل الاجتماعية التي باتت منصة أساسية لتبادل الأفكار والتجارب، كما أنه يستطيع نشر علمه الذي تعلمه لطلبة من نفس اختصاصه عن طريق إعطاء دروس أو دورات مجانية بمثابة زكاة عن العلم الذي تعلمه. وترى سوسن العتيبي أن المبتعث يستطيع نقل الممارسات الإيجابية التي شاهدها في بلد الدراسة إلى مجتمعه بفعل التجربة والمعايشة: فينقل المغترب التجارب التي أذهلته وأثرت في قلبه في مجتمعه القريب، أو في أسرته القريبة، حتى يتأثر بها الغير، ونحن رأينا من أنفسنا سرعة التأثر والتغيّر في ظرف شهور فقط! فكيف لو نقلناها إلى مجتمعنا وأثرت على 2 أو 5 وبدورهم أثّروا على غيرهم، وبعد 10 سنوات من الالتزام بما نسينا من أخلاق ديننا وخصوصا الآداب العامة سيغيّر مجتمعنا، ويقلل من نسبة الاكتئاب التي تعود بعض أسبابها إلى "عدم ملاءمة البيئة" وكذلك "عدم تقدير الكفاءات"، كذلك محاربة المشكلات المنتشرة في مجتمعنا وتقوية الروابط الوطنية والاجتماعية. نواف آل معتق سامي الفليت زينب حَجَّار د. أبو بكر إدريس