يعتبر الشيخ محمد صالح القزاز -رحمه الله - من رجال مكةالمكرمة البارزين، حيث عرف بإعماله الخيرية الجليلة، وخدم دينه ووطنه ونذر نفسه وماله في سبيل عقيدته، وسعى جاهدا لخدمة الدعوة الإسلامية، ونال شرف إدارة مشاريع أعظم ثلاثة مساجد الإسلام، حيث رشح لإدارة مشروع العمارة الأولى للمسجد النبوي الشريف، ثم لإدارة مشروع العمارة السعودية الأولى للمسجد الحرام، ثم لإدارة مشروع إصلاح قبة الصخرة بالقدس، ولم يكن يتقاضى أجرا مقابل تلك الأعمال وابتغاها خالصة لوجه الله، فكافأه الله بحب الناس وولاة الأمر له، وترجمت تلك المحبة واقعا ملموسا حيث عينه الملك فيصل رحمه الله عندما كان وزيرا للخارجية بمرتبة وزير مفوّض، ليتقاضى أجرا ومرتبا شهريا ينفقه على من يعول. وتقلد الشيخ القزاز مجموعة من المناصب، كرئاسته لرابطة العالم الإسلامي، حيث كان يعمل على إنجاز مشروعات وأهداف الرابطة بتفان وإخلاص وهيأ لها أدواراً جليلة لخدمة الإسلام والمسلمين في أصقاع المعمورة إضافة لتوليه منصب مدير عام مديرية شؤون الحج، ومدير شؤون الزراعة ودوره البارز في مدارس تحفيظ القرآن الكريم منذ أن كانت نواة في المهد ثم انتشرت في كافة المناطق. ولد القزاز بمكةالمكرمة سنة 1320ه، ويقول المؤرخ محمد بن علي مغربي في "أعلام الحجاز" أنه تلقى تعليمه فيها، فتعلم القراءة والكتابة، ونشأ كأقرانه من الفتيان في بيئة خصبة للعلم، فحفظ القرآن الكريم كاملا في سن مبكرة، وكان جهوري الصوت يحسن القراءة والترتيل وتولى إمامة الناس فى صلاة التراويح كما كان يفعل أمثاله من حفظة القرآن الصغار، وانتقل -رحمه الله- مع أسرته في أواخر العهد الهاشمي إلى الطائف حيث أسندت إليهم إعاشة الجند هناك وكان منزله وأخوه الشيخ أحمد القزاز بجوار باب الريع، دار ضيافة للقادمين من أعيان المكيين. عين وزيراً مفوضاً في عهد الملك فيصل وترأس رابطة العالم الإسلامي وتولى شؤون الحج والزراعة والمالية والجمارك أسرة قزاز أسرة القزاز أسرة حجازية عريقة وكريمة من أعيان مكةالمكرمة ووجهائها ويستشهد أبناء هذه الأسرة الكريمة بما ذكر في مخطوط "مائدة الفضل والكرم الجامعة لتراجم أهل الحرم" للشيخ عبدالستار الدهلوي حيث ذكر البيوت المعروفة والعوائل المشهورة من سكان البلد الحرام "ومن البيوت المعروفة الآن بيت القزاز أهل طوافة وتجارة ونقلا عن كتاب "حارة الشامية والحارات المجاورة لها" لفوزي ساعاتي حيث ذكر ما يلي "انفردت محلة القرارة باحتوائها دارا لصناعة القزاز تشتهر بالدولاب في حوش القزاز وبها معدات لصنع القزاز تتمثل في المهاريس والأفران والقوالب والمنافخ والملاقيط وكان أول من عمل في صناعة الزجاج في مكة في محلة القرارة هو أبوبكر القزاز منذ القرن التاسع الهجري ثم توارثها أبناؤه لغاية اندثارها، والدار هي ملك عبدالغني بن عبدالرحمن قزاز وإخوانه عبدالحي وعثمان وصالح - وفي ظل الدولة العثمانية عهد إليهم بصناعة القناديل التي توضع عند الأبواب والرواقات وصحن المطاف وكانت لهم وظيفة دائمة بعنوان "قزاز المسجد الشريف"، ولهم مرتبات شهرية وكان آخر من اشتغل في صناعة القزاز الشيخ هلال شيت والد الشيخ حمزة شيت من أسلاف القزازين"أما مساكن الأسرة فيذكر أبناؤها أنه كان في جبل هندي في حارة الشامية التي يوجد بها كبار بيوت آل القزاز ومنهم عميدهم عبدالوهاب يحيى صالح قزاز وزير الأشغال في حكومة الأشراف والشيخ عثمان بن عمر قزاز مدير بيت المال فى عهد الملك عبدالعزيز والوجيه حسن بن عبدالحي بن عابد قزاز وغيرهم. بائع الحرير أما أصل تسمية "قزاز" فقيل إنه يعود إلى أن كلمة قزاز في أصلها تعني بائع الحرير وناسجه نسبة إلى دودة القز لكن ليس هذا هو سبب التسمية وعلى الرغم أيضاً من أن جد هذه الأسرة المكية الكريمة "أبوبكر القزاز" الذي عاش في القرن التاسع الهجري قام بتأسيس مصنع الزجاج بمكة بالقرارة، إلا أن أبناء الأسرة لا يميلون أيضاً إلى أن هذا هو سبب التسمية وكما ورد في كتاب مكةالمكرمة فى شذرات الذهب (للغزاوى) تحت عنوان مصانع مكةالمكرمة "من الحق والإنصاف أن نذكر أنها ليست المرة الأولى بمكة (ويقصد المؤلف هنا المصانع) فقد سبقها أو لحقها مصنع كبير للزجاج - بمحلة القرارة ومازال محله وأثره وآلاته تشاهد، وكان مؤسسه الأول جد الأسرة القزازية الكريمة، وذلك لا يعدو القرن الحادى عشر أو الثانى عشر وكان ينتج كل ما تحتاجه البلد من (فناجين القناديل) ذات الفتايل التى توقد بالزيت أو الشحم ويؤمن لزوم (الزينات والحفلات والزفافات) وانصرف أهله إلى التجارة، كما ورد فى كتاب الأوائل لمكة فى عهد الملك عبدالعزيز وأبنائه للشريف محمد بن مساعد الحسنى أنه أول من أبطل إضاءة المسجد الحرام بالزيت "القناديل" وأضاءه بمصابيح اللوكسات "الأتاريك"هو الشريف الحسين بن على أمير مكة فى عام 1335ه واستمرت إلى منتصف عام 1338ه ثم أبدلها بالكهرباء فى عام 1339ه فهو أول من أضاء المسجد الحرام بالأتاريك ثم الكهرباء إلا أنه هجر المصنع تم قبل ذلك بأعوام كثيرة ولا يعرف السبب، وقد تم بيع بقايا المصنع في القرن الرابع عشر حيث قام الشيخ أحمد بن عبدالرحمن بن صالح القزاز ببيع بقاياه ووزع الحصص على أفراد العائلة وفي جريدة أم القرى ع 751 (1358/3/15ه - 1939/3/5م) وفي ظل الدولة العثمانية عهد إلى آل قزاز بصناعة القناديل التي توضع عند الأبواب والرواقات وصحن المطاف وكانت لهم وظيفة دائمة بعنوان "قزاز المسجد الشريف" ولهم مرتبات شهرية وكان آخر من اشتغل في صناعة القزاز المرحوم الشيخ هلال شيت والد الشيخ حمزة شيت من أسلاف القزازين، كما ورد ذلك في جريدة صوت الحجاز في عددها الخمسين يوم(الاثنين 1351/11/23ه -1933/3/20م) واشتهرت أيضا ببرحة القرارة. حياته العملية ويحكي عبد القدوس الأنصاري قصة تدرج الشيخ محمد قزاز بالمهام والمناصب الحكومية فيقول: عين الشيخ محمد صالح القزاز في بداية حياته أمينا للصندوق في مالية الطائف، وفي العهد السعودي تولى مديرية المالية، ثم عين مديرا لمالية مكةالمكرمة، بعد ذلك اختير ناظرا عاما للجمارك، حيث كان الاعتماد على واردات الجمارك قبل ظهور النفط وتسويقه وفي عام 1365ه شغل الشيخ محمد القزاز منصب مدير عام، ومساعد لمديرية شؤون الحج إلى جانب رئيسه وصديقه الشيخ محمد سرور الصبان ثم أصبح مديرا لها سنة 1368ه وحينما قررت الدولة تشكيل مديرية لشؤون الزراعة اختير مديرا لها الى جانب عمله كمدير لإدارة الحج وفي ذلك الوقت كانت مدينة جده تشح بالماء، فعمد الملك عبد العزيز رحمه الله لجلبه من عيون وادى فاطمة لإسالتها الى مدينة جدة فاختار الشيخ عبدالله السليمان وزير المالية إذ ذاك الشيخ صالح قزاز للمفاوضة مع ملاك العيون لشراء وجبات الماء واشترك معه في هذه المهمة رجال آخرون، وفعلا فقد تم شراء 8 عيون، وقد مكّن ذلك الدولة من إيصال الماء إلى مدينة جده، في قنوات تمتد من وادي فاطمة إلى المدينة، مما كان سببا في تطور مدينة جدة واتساعها ونظراً لأمانته وإخلاصه وإتقانه الأعمال المناطة به كلفه وزير المالية الشيخ عبدالله بن سليمان إدارة مشروع العمارة السعودية الأولى للمسجد الحرام، كما أسندت إليه أيضا إدارة مشروع إصلاح قبة الصخرة بالقدس الشريف، ويشير المؤرخ المغربي إلى أن الله جمع لهذا الرجل الإشراف على تعمير أعظم مساجد الإسلام فى مكةوالمدينة وبيت المقدس. أما قصة تكليفه بهذه المهمة الشريفة فيحكيها لنا ابن عمه الكاتب ورجل الأعمال حسن قزاز حيث يقول: " في بداية عام 1371 ه كنا بعوائلنا (عوائل آل قزاز) جميعا في زيارة المسجد النبوي الشريف، وفي ضحى أحد الأيام اصطحبني الشيخ صالح إلى المسجد وصلّينا في الروضة المطهرة الشريفة، ثم وقفنا مسلّمين على الرسول صلى الله عليه وسلم والتفت الشيخ صالح إليّ قائلا "أتمنى أن أحصل على راتب تقاعد مقداره ألف ريال شهريا أعيش به في هذا المكان الطاهر بجوار المسجد النبوي الشريف وأقضى بقية عمري في هذه الرحاب الطاهرة، فقلت له" يا عم صالح إنك لا تزال في عنفوان رجولتك وأمامك الحياة طويلة ودواعي الطموح كثيرة، فقال الشيخ صالح "إن شعورا خفيا يدفعني لهذه الأمنية وارجو أن يحققها الله". ويتابع الأستاذ حسن قزاز حديثه: "ثم عدنا من المدينة إلى الطائف ومضت سنون، وأقام الشيخ صالح قزاز وأخوه الشيخ أحمد في منزلهما بالطائف، حفلا لتكريم معالي الشيخ عبد الله السليمان وزير المالية رحمهم الله جميعا، وفي هذا الحفل أعلن الشيخ عبد الله سليمان أن جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله أمره بعمارة المسجد النبوي الشريف، وذلك بعد أن ذكرت الصحف المصرية أن تصدعا حدث في بعض الأعمدة، ودعا مصطفى النحاس باشا المسلمين إلى التبرع لعمارة المسجد، وتقدم البعض بتبرعاتهم ولكن الملك عبد العزيز رحمه الله أبى أن يقبل تبرعا من أي جهة كانت وأعلن قائلا " نحن أولى بتعمير المسجد الشريف، وطلب أن تعاد للناس تبرعاتهم، وأصدر أمره إلى وزير ماليته الشيخ عبد الله السليمان لتنفيذ العمارة المطلوبة، وكلف السليمان المعلم محمد بن لادن بالقيام بالعمارة التي تشمل إزالة التصدعات وتوسعة المسجد، وطلب الشيخ بن لادن اختيار رجل كفؤ ليقوم بعبء الأعمال الإدارية لهذا المشروع العظيم لأنه سيتفرغ للأعمال الهندسية وأعمال البناء، فاختار الوزير السليمان الشيخ صالح قزاز ليكون الرجل الإداري الذي يطلبه المعلم محمد بن لادن. وتحققت أمنية الشيخ صالح قزاز، وانتقل إلى المدينةالمنورة وللعلم فإن الشيخ محمد صالح القزاز لم يكن يتقاضى أجرا حينما كان يقوم بإدارة الأعمال في المسجد النبوى، والمسجد الحرام وإصلاح مسجد قبة الصخرة في بيت المقدس، حيث كانت رغبته أن يكون عمله في إدارة هذه المشروعات لوجه الله تعالى . وقد كتب الشيخ صالح القزاز خطابا سريا الى جلالة الملك فيصل وكان نائبا لوالده فى الحجاز يرحمهما الله تعالى، كتب إليه بأنه لا يتقاضى من المعلم أجرا نظير قيامه بهذا العمل، وطلب من سموه تدبير راتب شهري له يعيش وأسرته عليه وأستجاب رحمه الله فأصدر أمرا الى وزارة الخارجية وكان هو وزيرها، بتعيين صالح قزاز وزيرا مفوضا فى وزارة الخارجية ومن راتب هذه الوظيفة الاسمية كان الشيخ صالح يعيش وينفق على أسرته حتى وفاته. ويشهد الشيخ محمد صفوت السقا الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي على هذه الحقيقة التي شاهدها بعينه حين قال "وشهادة لله أزكيها ويعرفها كل من له شرف العمل مع صالح قزاز في الرابطة أنه لم يقبض ريالا واحدا كراتب أو تعويض أو حتى كمساهمة في النفقات التي يتطلبها العمل في الرابطة فكانت السيارة من ماله وسائقها وحتى أجور السفر وكانت كل الولائم التي نقيمها على مدار العام في داره من جيبه من مرتبه الذي يتقاضاه من تقاعده". إخلاصه في العمل في حين شهد له معالي وزير الزراعة الأسبق عبد الله الدباغ الذي عمل مساعدا للشيخ صالح قزاز في مديرية الزراعة في جده حين تأسيسها " لم أرى في حياتي كالشيخ محمد صالح قزاز في نشاطه ودأبه وحرصه على أداء واجبه في تفان وإخلاص لم يكن يعرف للراحة طعما فنهاره كله عمل من حين أن يصبح إلى أن يمسي وحتى يؤوي إلى فراشه كان أول الحاضرين إلى مكتبه وآخر من يخرج منه إلى داره، وكانت داره مكتبا آخر يمتد فيها العمل إلى ساعات متأخرة من الليل، وإجازته الأسبوعية كان يقضي معظمها في زيارة للمناطق الزراعية يتفقد أحوالها ويبحث مشاكلها، ويتابع الدباغ أن مسؤوليته في الحج تتطلب منه الانتقال يوميا بين مكةوجده أكثر من مرة في اليوم الواحد، خصوصا في موسم الحج حرصا منه على قضاء مصالح الحجاج ومؤكدا أنه في أثناء السير من منطقة لأخرى كان يسترخي في مقعد السيارة الخلفي ليأخذ قسطا من الراحة بعد عناء العمل الطويل ويذكر أن الشيخ كان أول من أدخل مضخات الماء لتوزّع على المزارعين في مختلف مناطق المملكة كوسيلة بديلة للطريقة التقليدية لرفع المياه من الآبار، وذلك بتوجيه من الملك عبد العزيز رحمه الله، كما أنه أول من فكر في إصلاح عدد من عيون المياه التي توقف جريانها في وادي فاطمة وغيرها من الوديان، كما أوجد وحدات الخدمة الزراعية المجهزة بآلات التسوية والحراثة لإقامة العقوم وحراثة الأرض للمزارعين في مناطقهم ويواصل الدباغ أن أكثر ما يشدك للشيخ صالح القزاز هو إيمانه العميق وعزوفه عن رغد العيش وميله الى التقشف مع ما أنعم الله به عليه من وفرة في الرزق وكرم في العطاء، وأوضح الدباغ أنه خلال الفترة التي كان فيها الشيخ صالح القزاز مديرا عاما لمديرية الحج ويضطر الى البقاء طيلة نهاره في جدة، لم يكن له بيت يأوي اليه بعد العناء أو فندق يذهب اليه ليرتاح بعض الوقت، فكان يفترش المكاتب الحديدية في فرع مديرية الزراعة جاعلا ذراعه وسادة لرأسه، وذلك حتى لا يغريه الفراش الناعم الوثير بإطالة فترة راحته وعندما يكون في البادية لا تختلف معيشته في نومه وطعامه مع معيشة أهل البادية بخشونتها وقسوتها. رابطة العالم الإسلامي ولم تقف الأعمال الجليلة للشيخ محمد قزاز عند الإشراف على إعمار المسجد الحرام إذ يقول المؤرخ المغربي أنه "عندما تم تأسيس رابطة العالم الإسلامي عام 1382ه، ومقرها في مكةالمكرمة اختير معالي الشيخ محمد سرور الصبان رحمه الله أمينا عاما لها، وقد رشح الصبان صديقه الشيخ صالح قزاز أمينا عاما بالوكالة، وحينما توفى الشيخ الصبان، اختير الشيخ محمد صالح القزاز أمينا عاما للرابطة، حيث اختار المجلس التأسيسي للرابطة المكون من علماء المسلمين فى جميع أنحاء العالم الإسلامي وبالإجماع الشيخ صالح قزاز، ليكون الأمين العام للرابطة، وطلبوا من الملك فيصل رحمه الله الموافقة على اختيارهم، فتم لهم ما أرادوا، وتجدد اختيار الشيخ صالح قزاز للأمانة العامة للرابطة لفترة ثانية الى أن قدم استقالته بعد أن تقدم به السن، وقد حاول أعضاء المجلس إثناءه عن الاستقالة فزاره وفد منهم بمنزله لهذه الغاية فقال لهم ( الرابطة أمانة عظيمة ولا أستطيع القيام بواجبها فأرجو إعفائي)، وأمام إصراره قبلت الاستقالة، وتم تعيين الشيخ محمد الحركان رحمه الله أمينا عاما للرابطة، وكان للرابطة إنجازات مؤثرة في تاريخ الدعوة الإسلامية، وبرز في هذا المجال اسم الشيخ محمد صالح القزاز رحمه الله ، كأحد الرجال العاملين الذين تركوا اثرا عميقا ومستمرا على صعيد النشاط الاسلامي المتكامل حيث كان الشيخ يعمل يوميا بعد صلاة الفجر في المسجد الحرام باعتباره مدير مكتب "عمارة المسجد الحرام" ومن ثم يأتي إلى الرابطة حوالي الساعة العاشرة، واستمر على هذا الحال لأكثر من 15 عاما، وبعد انتهاء الدوام في الرابطة يعود الى مشروع الحرم، وفي المساء يطوف على مدارس تحفيظ القران الكريم ولم يكن الشيخ القزاز ليتخلف يوما عن نشاط الرابطة وخاصة بعد صلاة العشاء، حيث الموسم الثقافي السنوي للرابطة والذي يستمر الى حوالي الساعة الحادية عشرة ليلا وغالبا ما يولم الشيخ في داره بتكريم المحاضرين والقادمين من جدة ب(التعتيمة باكلة \ السليق ) ويشرف بنفسه على الطبخ بالحطب، وينضح برائق اللبن ويتذوق الطعام ويعود الى الضيوف ويباشر بنفسه عليهم، حيث كان متواضعا عطوفا كريما وسخيا. تحفيظ القرآن الكريم وهب الله الشيخ محمد قزاز حظوة وشرفاً في آخر عمره حيث حظي بخدمة كتاب الله الكريم ويذكر الدكتور حسن محمد باجوده أن الشيخ القزاز رحمه الله ساهم في تأسيس مدارس تحفيظ القرآن الكريم حيث أعطى جل وقته بعد عام 1396ه لهذه الجمعية المباركة، وحققت نجاحها، وانتشرت جمعيات تحفيظ القرآن الكريم على مستوى المملكة مبينا أن الشيخ محمد يوسف سيتي هو صاحب فكرة إنشاء الجمعية وهو أول رئيس لها، وتولى الشيخ محمد صالح قزاز رئاستها وأضاف أن الجمعية قامت بنشر مدارسها في جميع أرجاء المملكة، كما أن الشيخ محمد صالح القزاز لم يكتف بالمساهمة فيها بجهده، ولكنه ساهم كذلك بماله فأوقف عليها عمارة في محلة الشامية بمكةالمكرمة تساهم غلتها في واردات الجماعة وكانت للشيخ بصمات واضحة في الأعمال الخيرية التربوية الجليلة في رعاية هذه الجمعية وطلاب وحفاظ كتاب الله؛ وقدم خدمة للقرآن الكريم وللدين والعلم والإصلاح وقد تبرع فأوقف عمارته الشامخة في حي (الشامية) بمكةالمكرمة على هذه الجمعية الخيرية، كما أوقفت زوجته فيلاتين لها في جدة ويشير باجودة أن الشيخ القزاز جعل كل نشاطه بعد خدمته لأمانة رابطة العالم الإسلامي لجمعية تحفيظ القرآن الكريم. وفاته أشاد بإنجازات الشيخ محمد بن صالح قزاز العديد من المؤرخين وملأت سيرته كتب التراجم، لما سطره من إنجازات عظيمة لخدمة دينه ثم وطنه إلى أن توفي رحمه الله عام 1409ه عن عمر ناهز التسعين عاماً بذلها في الدعوة الإسلامية والخير والإصلاح، والتربية والتعليم، وخدمة بلاده، ودفن في مكةالمكرمة رحمه الله رحمة واسعة. الشيخ محمد القزاز رحمه الله الملك حسين ملك الأردن لدى زيارته للمسجد النبوي وبجانبه الشيخ محمد القزاز يشرح تفاصيل البناء الرئيس السوري الأسبق شكري القوتلي يرافقه الشيخ محمد بن صالح القزاز خلال زيارته للمدينة عام 1372ه منصور العساف