طيلة ما يُقارب عاماً ونصفا، لا يزال أبطالنا المرابطون على الحد الجنوبي، يقدمون أروع ملاحم الفداء والتضحية، للذود عن هذه الأرض المقدسة، وتلقين أعداء الفتنة من مليشيات الفتنة والطائفية في اليمن، درساً قاسياً يدركون من خلاله، أن المعتدي لا بدَّ وأن يلقى العقاب والردع. قوافل الشهداء والمصابين في ملحمة البطولة والصمود والفداء، هي التي أبرزت أن الدم السعودي الذي يُراق، لن يذهب سُدى، ولا تضيع أرواح شهدائه هباءً، وأن الدماء الطاهرة والزكية، هي وقود الذود عن الأرض والعرض، وأنه علينا كمجتمع بكل شرائحه وتياراته، أن نجعل من كل قطرة دم، مداداً يكتب سيرة ومسيرة بلدنا ووطننا.. ونرسخ من خلالها جذور وحدتنا وتلاحمنا وانصهارنا مع ملحمة الخلود، ومحاولة الاعتبار من ذكرى كل شهيد، وتقديم كل الامتنان للتضحيات والبطولات بالأفعال وليس بمجرد كلمات المواساة والفقد. من هنا، تأتي دعوة سماحة المفتي العام، رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، لكافة المؤسسات الأهلية والبنوك ورجال الأعمال إلى التبرع من أموالهم عبر صندوق خاص يدعم المجاهدين والمرابطين على الحد الجنوبي ويسدد ديونهم ويتلمس احتياجهم امتدادًا لدعم الدولة الكبير لهم ومساندتها وشد أزرها في ذلك، كخطوة مهمة في هذا المسار العظيم، الذي يعيد الاعتبار لمفهوم الجهاد الخالص، والذي يعني أن الجهاد بالمال لا يقلُّ تضحية عن الجهاد بالنفس. هذه المبادرة الطيبة من قبل سماحة المفتي العام، تضعنا جميعاً أمام اختبار المسؤولية الأخلاقية قبل الوطنية، تجاه أبنائنا لمَ استرخصوا أرواحهم من أجلنا، ودفعوا أثمن ما لديهم للدفاع عنا وتأمين حدودنا؟ فهل يكون من اللائق وإجلالاً لذكراهم أن نبخل على أسرهم وذويهم بهذا النوع البسيط من الرعاية والتكريم؟ ربما كانت بادرة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في قبول أبناء الشهداء دون قيد أو شرط، فرصة ذهبية أمام كل جامعاتنا ومؤسساتنا الأهلية، لأن تُعبر عن وطنيتها في الاقتداء بها، وتتوازى مع التقدير الحكومي والرسمي الذي ترعاه الدولة، وتضمّد من خلاله الجراح وتنفق الأموال لدعم ورعاية أبناء وأسر هؤلاء المجاهدين لا سيما الشهداء منهم، لكن وكما قال سماحة المفتي العام فإن الواجب على المؤسسات الأهلية من البنوك ورجال الأعمال وغيرها أن يكون لهم موقف مشرّف. مسؤوليتنا جميعاً التي نراهن عليها في هذه اللحظة، أن نكون على قدر التضحية التي بذلها أبطالبنا الأوفياء، وواجبنا الذي لا مناص منه، هو استمرار التكاتف والدعم مع من ضحى بعمره وروحه ودمه، كعنوان عريض يُضاف إلى سلسلة تعاضدنا الاجتماعي المعتاد، ولكنه هذه المرة سيكون درساً يُقتدى، ونموذجاً يُحتذى. وقفة .. نتمنى أن يكون للهيئة الرياضية إسهام في هذا الجانب الخير، كما هي مدارسنا.. وكل الخيرين.. وشكرا للمفتي الكريم على هذه المبادرة.