ظاهرة تسول عمال النظافة باتت مكشوفة، فما أن نقف عند إشارة مرور أو مطاعم وأسواق وفي أي وقت كان، إلا ونرى عامل نظافة أو أكثر يتظاهرون بالتنظيف، ولكن في حقيقة الأمر هم يتسولون بطرق غير مباشرة. يبادرونك، بنظرات استعطاف وشفقة، أو بإلقاء التحية "السلام عليكم"، طمعا بأي مبلغ ولو ريال واحد، وبرغم وجود اشراف مباشر على عمال النظافة الا ان هذه الظاهرة لم تتوقف حتى بعد انقضاء شهر رمضان. "الرياض" قامت بإعداد هذا التحقيق ليس تضييقا على دفع الصدقة والإحسان الى الفقراء، بل لوقف هذا السلوك غير السوي الذي حوّل عامل النظافة إلى "متسول برتبة عامل نظافة"وصرفه عن عمله الأساس. علما أن الأمانات والبلديات تدعو المواطنين والمقيمين إلى توخي الحرص في التعامل مع عمال النظافة، واتباع تعليمات الجهات الرسمية التي تمنع منح المتسولين أمام الإشارات أي مبالغ مالية، وفي حال وجود أي ملاحظة على أي عامل أو غيرها من الملاحظات العامة الاتصال على مركز بلاغات الأمانة 940. وهذا ما يجعلنا ننبذ هذا السلوك السلبي بالامتناع عن تقديم الأموال لهم، وحتى لا تستشري تلك الظاهرة في أوساط العمالة المختلفة، كما أن تسليط الضوء على هذه الظاهرة يجعلنا نبحث معالجة هذه الظاهرة التي تشوه الوجه الحضاري لبلادنا، ووجوب السعي لمكافحة التسول، وإيجاد السبل الكفيلة بوأدها، ومحاسبة المتسبب في نشوئها. تأخر الرواتب بداية يرجع المواطن عبدالرحمن الحقباني تسول عمال النظافة لمعاناتهم المستمرة مع الشركات التي يعملون بها، حيث يقول: ان أحدهم شكا له من أن الشركة المشغلة له ومئات العمالة الآخرين تشغلهم يوميا مالا يقل عن عشر ساعات براتب 350 ريالاً شهرياً، بدون إعاشة، كما تتأخر رواتبهم لأكثر من ثلاثة أشهر، مما يجعلهم يلجأون إلى التسول، وتركت تلك العمالة عملها المنوط بها، بل إن بعضهم انشغل بجمع العلب الفارغة والمواد البلاستيكية من القمامة، ويواصل عمله ليل نهار، وهذا يعود بلا شك لضعف الرقابة عليهم من قبل المشرفين. ويضيف الحقباني كنا نسمع بالماضي إضراب عمال النظافة وامتناعهم عن العمل، قبل أن يتجهوا الى التسول، فشركاتهم يبدو انها تعرف بذلك ولكنها تتغاضى لكي لا يطالب العمالة بصرف رواتبهم المتأخرة. وتساءل الحقباني من المسؤول الأول والأخير عن حقوق هؤلاء العمال، هل هي الشركات المشغلة لهم أم البلديات التي تركت لهم المجال في التسول أم غياب الجهات الرقابية كمكافحة التسول التي تركت لهم الحبل على الغارب، أم الجهات الحقوقية التي لم تدافع وتكفل لهم حقوقهم، وقال: للأسف ان كثيرا من هؤلاء المتسولين يجمعون مئات الريالات من تسولهم ومع ذلك تجد أكثرهم حاقدا علينا مرجعا سبب تسوله إلينا لأننا لم نكفل له العمل الشريف. من المتسبب المواطن محمد الخليفي قال: للأسف ان تسول عمال النظافة ومن في حكمهم تعدى مرحلة الظاهرة ليصل لدرجة الإزعاج والمضايقة فنجدهم بالقرب من إشارات المرور واجهزة الصراف الآلي للبنوك، وبجانب المطاعم و"الكافيهات" ينتظرون المتعاطفين معهم. وأرجع السبب في تسول عمال النظافة حسب رأيه إلى أن الشركات المشغلة هي التي ساهمت في تفشي هذه الظاهرة، فبعض عمال النظافة عندما نسألهم لماذا تتسولون يقولون لأن الشركة لا تعطينا رواتبنا في وقتها المحدد وقد يصل تأخيرها لعدة أشهر بالرغم من ضآلتها حيث لا يتعدى راتب أحدنا 300 ريال فقط، مما يجعلنا نمتهن هذه الظاهرة لكي نوفر المأكل والمشرب وبعث بعض مما يجود به أهل الخير علينا لأهلنا. واضاف الخليفي كما أن أحدهم أوضح أن زملاءه من العمالة قاموا بتعليمه على كيفية التسول بإلقاء السلام على كل من يمرون عليه، ومزاولة التنظيف بجانب المركبات لكسب تعاطف وشفقة المارة أو قائدي المركبات لمنحه أي أموال. وأردف الخليفي يقول: قرأت في أحد الأيام أن البلديات نشرت عبر حسابها الرسمي في تويتر أنها ألقت القبض على عامل يتسول عند إشارات المرور في أحد الشوارع مرتدياً الزيّ الخاص بعمال النظافة، موضحة تلك الأمانة أن العامل لا يتبع أيّ شركة من شركات النظافة في مدينة الرياض، لافتة إلى أنها سلمت العامل للشرطة،لاتخاذ الإجراءات اللازمة بحقه. وهذا الخبر يدعو للاستغراب؛ لأننا نرى في أغلب إشاراتنا عشرات العمال يمتهنون هذه الظاهرة، ولا تعلم جهات عملهم، مطالبا الجهات المعنية بتولي مهمتها بتصحيح هذه الظاهرة التي تكاد لا تخلو شوارعنا ومياديننا منها. تستر المشرف أما المواطن عبدالله الحصان فكشف عن جانب آخر قد يكون خافيا حتى على الجهات المسؤولة وهي أن بعض مراقبي ومشرفي عمال النظافة استغلوا مناصبهم الإشرافية بتحويلهم لمتسولين بغرض كسب المال بطرق غير مشروعة، وإشغالهم عن أداء أعمالهم المنوطة، كما يشترطون على عامل النظافة المتسول أن يدفع لهم مبلغا يوميا قد يصل إلى 200 ريال مقابل إعفائه من جزء من عمله وإذا لم يستجب لهم فمصيره خفض تقارير عمله مما يؤول به إلى تسفيره بشكل نهائي. وتساءل لماذا لا تقوم الأمانات والبلديات بالتأكيد على مقاولي أعمال النظافة بمتابعة عمالتهم وربطهم بمواقع لا يتعدونها لكي ينجزوا أعمالهم المنوطة بهم منعا لتسولهم، وتكثيف الجولات الرقابية لمتابعة أعمالهم خصوصا داخل الأحياء، وبالقرب من الشوارع العامة التي تقع فيها إشارات المرور، منعا لتحولهم لمتسولين عوضا عن أداء عملهم الأساس. وأكد زايد الطلحي -مدير إحدى المدارس الثانوية- أن من الصعوبة السيطرة على عمال النظافة، قبل أن يتم معالجة وضعهم بالنسبة لضعف رواتبهم، التي بسببها تردت أوضاع النظافة في كثير من الأحياء والشوارع، ليست داخل الأحياء فحسب بل وفي الشوارع والميادين العامة، مما يجعلنا نشهد تراكم النفايات، مشيرا بانه يجب تفعيل الشكاوى التي تصل للبلديات والأمانات على الرقم 940 ويجب على الجميع التعاون لمنع هذه الظاهرة التي باتت تستشري بين كثير من العمالة وليست العمالة الخاصة بالنظافة فقط، فنراهم للأسف الشديد سيطروا على إشارات المرور، كما بدؤوا يتمركزون بجوار الصرافات والمطاعم والأسواق الكبيرة. استدرار العواطف من جهته أكد د. صالح بن رجا الحربي أن ظاهرة التسول باستجداء الناس واستدرار عواطفهم وشفقتهم، ينكرها ديننا الحنيف الذي لم يترك أمرا إلا وضع له علاجا، فوجه بصرف الصدقة والزكاة في مصارفها المعروفة حماية لمجتمعاتنا من التسوّل. وقال: يجب أن تتضافر الجهود المجتمعية لمكافحة هذه الظاهرة وعدم إعطاء المتسول الذي لا نعرف حالته فقد يكون كاذبا أو غير مستحق، لأن لدينا جهات مسؤولة ومعنية للتحقق من مدى حاجة المتسولين، ويتعاملون مع من يتسول على أسس من التوجيه والإصلاح السليمة، سواء كان المتسول سعوديا أو وافدا، مبينا أن التعاون مع الجهات المسؤولة كفيل بالقضاء على هذه الظاهرة غير الحضارية، التي قد يستغل ريعها في الإضرار بأمننا ووطننا. ودعا د. الحربي إلى عدم التعاطف مع المتسول، وتوجيه الصدقات والتبرعات وغيرها من وجوه البر لمصارفها المعروفة كالجمعيات الخيرية المنتشرة بكافة مناطق المملكة، فهناك من يحتاج لها من الذين لا يسألون الناس إلحافا ويتعففون بالرغم من حاجتهم وهم أولى بالصدقات والزكوات، فكم من الفقراء والمحتاجين، يتعففون عن سؤال الناس، وقد ثبت في الصحيحين من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم" ، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمرا فليستقل أو ليستكثر". وقال تعالى (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً) الآية. وقال ابن كثير: الجاهل بأمرهم وحالهم يحسبهم أغنياء من تعففهم في لباسهم وحالهم ومقالهم، وفي هذا المعنى الحديث المتفق عليه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليس المسكين الذي ترده التمرة ولا التمرتان، واللقمة واللقمتان، والأكلة والأكلتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنىً يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يسأل الناس شيئاً " وهذه بعض الأدلة التي تحرم التسول، وسؤال الناس من غير حاجة. 940 الحل وللأمانات والبلديات جهود لا يمكن إنكارها لمنع عمال النظافة من التسول، ولكن قد تكون المشكلة تخص عدة جهات وشركات النظافة جزء من هذه المشكلة، كما أن الدور الرقابي والمكافحة غائبة. وسبق وأن أوضحت أمانة مدينة الرياض في أكثر من مرة أن دورياتها تلقي القبض على وافدين ينتحلون صفة عمال نظافة، بهدف التسول عند الإشارات واستجداء الناس، ليس ذلك فحسب بل ويرتدون الزي المخصص لعمال النظافة، وتأتي عمليات القبض على الوافدين إثر رصدهم وهم يمارسون التسول، وهذا الأمر يدفع دوريات الأمانة إلى رصد مواقعهم ومتابعتهم والقبض عليهم للتحقق من وضعهم ومن ثم تسليمهم للجهات المختصة لمكافحة التسول. وسبق أن أوضح المدير العام لإدارة النظافة بالأمانة أن فرق الأمانة تتابع مثل هذه الملاحظات بالتنسيق مع الشركات المتعاقدة وتنبيه عمالها بالإبلاغ عن أي اشتباه في هذا الصدد، ومنعهم من استعطاف قائدي المركبات والمارة بأي وسيلة إيحائية، مشيرا إلى وجود نحو 6 آلاف عامل بالعاصمة، مخصصين لعملية الالتقاط اليومي للنفايات، حيث يخصص لكل عامل مسار لالتقاط كل ما يرمى في الشارع، داعيا المواطنين والمقيمين إلى توخي الحرص في التعامل مع عمال النظافة، واتباع تعليمات الجهات الرسمية التي تمنع منح المتسولين أمام الإشارات أي مبالغ مالية، لافتا إلى أنه في حال وجود أي ملاحظة على أي عامل أو غيرها من الملاحظات العامة التي تختص بأمانة منطقة الرياض، يجب الاتصال على مركز بلاغات الأمانة 940. عدم إعطاء العامل المتسول أي مبلغ سيوقفه عن التسول زايد الطلحي يتحدث مع الزميل راشد السكران:على الجميع التعاون لمنع هذه الظاهرة د. صالح الحربي عبدالرحمن الحقباني عبدالله الحصان محمد الخليفي