كان محبو سينما الأخوين كون في حالة ترقب عالية لفيلمهما الجديد، خاصة بعد أن كان آخر أفلامهما إخراجاً من جواهرهما الثمينة، في حين أن ما أنتجاه بعدها من سيناريوهات كانت ذات صبغة نمطية بعيدة تماماً عن أسلوبهما الخاص، كما في فيلمي "Unbroken" لأنجلينا جولي، و"Bridge of Spies" لستيفن سبيلبيرغ. ولذلك قام فيلمهما لهذا العام "يحيا قيصر" "Hail, Caesar" بطمأنة جمهور الأخوين بأنهما ما زالا كما المعهود عنهما، أصحاب الكوميديا السوداء الساخرة ذات النكهة الخاصة، وإن لم يكن من أفضل ما قدماه. وكان العرض الأول للفيلم هو افتتاح مهرجان برلين، وزين بحشد النجوم فيه السجادة الحمراء لمهرجان برلين هذا العام، وهو اختيار أمثل لأي مهرجان سينمائي، فهو بسخرية مشوبة بالحنين غارق في السينما وصناعتها وبريقها وكواليسها. ويمكن القول إن الشخصية الرئيسية التي يتناولها الأخوان في هذا الفيلم، هي هوليوود الخمسينيات ونظام الأستوديو الذي يشبه المصنع حيث يمارس فيه مديره كل سلطاته وليس على الجميع من نجوم ومخرجين سوى التنفيذ، وتدخله لا يشمل فقط العمل ولكن حتى الحياة الشخصية لأولئك النجوم كما تظهر في الإعلام. فكل ما يمكن أن يؤثر على الإيرادات هو من مسؤوليته ولذلك فالكل يمضي تحت إمرته، ويبدو أن عنوان الفيلم هو إشارة لهذا القيصر وليس لقيصر روما كما يبدو على السطح. والقيصر الهوليودي هو إيدي مانيكس -قام بدوره جوش برولين- وهو شخصية حقيقية لمنتج ومدير تنفيذي لأحد استوديوهات هوليود الكبرى "MGM" وقد كان معروفاً ك"fixer" أي شخص يعمل على حماية الشكل الإعلامي للنجوم بإخفاء أي معلومات يمكن أن تسبب فضائح إعلامية والتخطيط للشكل العام الذي يجب أن يظهر به هؤلاء النجوم حيث يملي عليهم كل التفاصيل الخاصة بالحياة العامة، حتى الجانب الشخصي منها. وعلى الرغم من أن الفيلم يتناول شخصية معروفة، لكن أحداث الفيلم مختلقة وليس لها علاقة مباشرة بالواقع وإن استوحت منه الكثير. في بداية الفيلم نشاهد مانيكس يعترف للكاهن بخطاياه وهي خطايا تافهة مثل قيامه بالتدخين بعد أن وعد زوجته بالتوقف عنه. ولكن هذا الشخص الضعيف وغير الواثق من نفسه ومن أعماله، يتحول وحشاً كاسراً في الخارج. الزمن هو 1951 حيث يعمل مانيكس على إخفاء كل فوضى وفضيحة يحدثها نجوم شركة كابيتال بيكشرز، قبل أن تصل إلى الصحافة وخاصة التوأم ثورا تاكر وثيزالي تاكر -قامت بدور التوأمين تيلدا سوينتون- اللتان تعملان في صحيفتين مختلفتين وتتنافسان على نشر أخبار النجوم الفضائحية. مهمة مانيكس ليست سهلة فخلال يومين هما زمن الفيلم نشاهد الكثير من الأفلام والقصص، وهي الأفلام التي كانت شائعة في تلك الفترة. وبشكل ذكي ينقل الأخوان كون تشكيلة من أفلام تلك الفترة ومنها الويسترن والأفلام الغنائية والاستعراضية والدرامية والملحمي التاريخية يشرف مانيكس على إنتاج "Hail, Caesar" "يحيا قيصر" والذي يعمل به أحد نجوم الاستوديو المهمين ويدعى بيرد ويتلوك -جورج كلوني- الذي يقوم مجموعة من الشيوعيين بخطفه لطلب فدية عالية؛ وذلك بأن قام أحد الممثلين الكومبارس بدس مخدر في الكوب الذي يشرب منه ويتلوك وبعد أن قام بتخديره، نقله إلى فيلا على البحر، حيث يتناقش الكتاب الشيوعيون حول نظام الأستوديو الجائر ويبدو ويتلوك مستمتعاً بالمحادثة. يذكر كلوني بأدائه في هذا الدور بفيلم آخر للأخوين كون هو: "O'Brother Where Art Thou" حيث يظهر قدراً عالياً من الحماقة والسذاجة المقنعة جداً والظريفة. يحاول مانيكس حل مسألة غياب ويتلوك والتغطية على فضيحة حمل النجمة دي آنا موران -سكارليت جوهانسون- غير الشرعي وفرض نجم شباك صاعد اسمه هوبي دويل -آلدين ارينرايك- على مخرج صاحب أسلوب معين يحاول عبثاً أن يترك بصمة فنية -رالف فينيس-، مستمراً في اعترافاته بخطاياه. رغم أن الشخصيات تبدو نمطية وأحياناً كاريكاتورية خالية من العمق في العمل، لكن التركيز هو على أجواء هوليوود الخمسينيات حيث نشاهد أجمل وأسوأ ما في هوليوود، فهناك الرقصات والديكورات والأغاني التي تذكر بالكلاسيكيات وفيها أبدع تشانينغ تيتوم بأداء دور -بيرت جيرني- ولقطات جميلة ومبهرة لحورية بحر أدتها جوهانسون وهناك مشاهد مانيكس الكفيلة بإيضاح الجانب البشع والخفي لهوليوود. كل هذا في فيلم واحد سهل ممتنع يقدمه معلمان في الكتابة والإخراج هما إيثان وجويل كون. الأخوان جويل وإيثان كون الفيلم احتوى على صورة ساخرة لهوليوود