بعد الهجوم الدامي الذي نفذه يوم الرابع عشر من شهر يوليو الجاري تونسي يدعى محمد الحويج بوهلال في مدينة نيس وأدى إلى مقتل 84 شخصا وإصابة أكثر من مئتين آخرين بجروح وتبناه تنظيم "داعش"، أصبحت الجالية التونسية المقيمة في فرنسا تتعرض إلى حملة مسعورة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. وليست هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها الجاليات الأجنبية المقيمة في فرنسا لمثل هذه الحملات بعد إقدام أحد أفرادها على ارتكاب جريمة. ولكن ما يثير الانتباه في الحملة التي تطال تونسييفرنسا اليوم أن الجريمة الإرهابية التي اقترفها مرتكب هجوم نيس فظيعة وأن أفراد هذه الجالية من بين ضحايا الهجوم وأن بلادهم تمر بأزمة اقتصادية حادة لم يسبق لها مثيل بسبب العمليات الإرهابية التي طالت تونس في الفترة الأخيرة. فحسب حصيلة غير نهائية، قضى في هجوم نيس خمسة تونسيين منهم طفل في الرابعة من عمره يدعى "كيلان"، وقد دهسته الشاحنة مع والدته، وأصيب ثلاثة تونسيين آخرين بجروح في هذا الهجوم بالإضافة إلى ثلاثة تونسيين لا يزالون في عداد المفقودين. والملاحظ أن أربعة أطفال فرنسيين من أصول مغاربية قضوا مع ستة أطفال آخرين في هذا الهجوم بينما لا يزال قرابة ثلاثين طفلا من جرحى الهجوم يتلقون العلاج في المستشفيات الفرنسية. وما يحز كثيرا في نفوس أفراد الجالية التونسية المقيمة في فرنسا أن وسائل التواصل الاجتماعي وعددا من المواقع الإلكترونية سعت إلى تأليب الرأي العام الفرنسي عليهم من خلال نشر معلومات خاطئة منها مثلا أن الشرطة الفرنسية لم تقتل مرتكب الهجوم بل شخصا آخر عوضا عنه. من ضحية إلى معتد ولوحظ في السياق ذاته أن عددا من المواقع الإلكترونية الفرنسية والعربية بما فيها بعض المواقع الإلكترونية التونسية قدمت ضحية تونسية من ضحايا هجوم نيس بعيد وقوعه كما لو كان هو مرتكبه. واسم الضحية بلال اللباوي وهو من مدينة القصرين التونسية الواقعة في وسط تونس الغربي، علما أن هذه المدينة تقع قرب جبل الشعانبي الذي تستخدمه الخلايا الإرهابية منذ أكثر من سنتين قاعدة تنطلق منها للقيام بأعمال إرهابية تستهدف قوات الجيش والأمن والمواطنين. وما هو مؤلم كثيرا بالنسبة إلى أسرة بلال اللباوي أن الساعات الأولى التي تلت نشر معلومات خاطئة عنه باعتبار أنه كان مرتكب الاعتداء المفترض كانت أليمة جدا بالنسبة إلى شقيقه الذي بقي إلى جانب جثته في نيس طوال هذه الساعات. المشكلة مع السياسيين لا مع المواطنين وهناك اليوم قناعة لدى أفراد الجالية التونسية بأنهم قادرون فعلا على الثبات أمام هذه الحملة التي تشن ضدهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتي تغذيها بشكل غير مباشر بعض المواقع الإلكترونية لعدة أسباب منها أن الفرنسيين يعرفون هذه الجالية منذ زمن بعيد ويقيمون معها علاقات جيدة. والملاحظ أن جزءا مهماً من أفراد هذه الجالية التي يقدر عددها ب 670 ألف شخص يقيمون في مدينتي نيس ومرسيليا وأن بعض وسائل الإعلام الفرنسية أرسلت موفدين إلى مدينة مساكن مسقط رأس مرتكب هجوم نيس وعرضت تقارير تحدثت فيها عن ألم سكان المدينة لما حصل في نيس وعن شعورهم بالحزن لما أصاب أسر ضحايا الهجوم في فرنسا والدول الأخرى التي فقدت رعاياها في الهجوم. ومن الصور التي بثت في هذا السياق صور أطفال تونسيين وهم يحملون أعلاما فرنسية وتونسية أثناء الترحم على أرواح الأطفال الذين قضوا في الهجوم. ولكن ما يثير قلق الجالية التونسية والجاليات العربية الإسلامية الأخرى اليوم في فرنسا هو الطريقة التي تحاول من خلالها بعض الأطراف السياسية توظيف هذا الهجوم والمأساة الإنسانية التي يطرحها للحمل مجددا على الإسلام والمسلمين. فالإرهاب ظاهرة عالمية والتصدي له في فرنسا وفي أي بلد آخر يتطلب كثيرا من الحزم والهدوء وتعزيز الوحدة الوطنية وتجنب استخدام الملف لأغراض شخصية وانتخابية، ولكن للأسف هذا الفكر لا تجده في التصريحات الأخيرة التي وردت على لسان الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي والتي تحدث فيها عما وصفه ب "الإرهاب الإسلامي" كما لو كان كل المسلمين متطرفين وإرهابيين. الطفل التونسي كيلان ضحية من ضحايا هجوم باريس