التشوّهات التي تعلو سوق العمل في المملكة هي نتاج عدة عوامل ومسببات أبرزها أن هذه السوق لم يكن يستدل في سيرها على دراسات تمكنها على الأقل أن تكون في وضع الاستعداد للانطلاق من أجل وضع استراتيجية واضحة تصف الداء والدواء. وقد أحسنت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية عندما قررت سلوك منهج في التقصي من خلال دراسات دقيقة وعميقة لتكتشف مواطن الخلل في سوق لا يمكن إلى وقت قريب تقديم وصف دقيق لها، الأمر الذي يجعل من مهمة إصلاحها شبه مستحيلة، ولعل مهمة التقصي والبحث وفرت كمية وفائضاً في البيانات يمكن من خلالها وضع اليد على مواطن الخلل واكتشافها ومن ثم إصلاحها، وتلك البيانات في واقع الأمر ليست دليلاً فقط يمكن لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية الاستدلال به لابتكار الدواء المناسب لمعالجة تلك التشوهات، بل هي فرصة لوزارات وجهات أخرى وعلى رأسها وزارة التعليم لرسم استراتيجية تعليمية يمكن من خلالها كشف مواطن الضعف في التخصصات التي تحتاجها سوق العمل، ومن ثم العمل على توفير مخرجات تعليمية تستطيع سد الثغرات التي في الغالب يملؤها الوافدون، وهذه أحد أكثر التشوهات خطورة إذ إنها تنتج ما يسمى الانكشاف المهني. يمكن تعريف الانكشاف المهني بأنه مؤشر لقياس درجة الاعتمادية الكمية والنوعية على العمالة الوافدة وقياس معدل الإنتاجية ومدى مواءمة مخرجات التعليم مع احتياج سوق العمل السعودي في سبيل تحقيق الأمان المهني.. وبمعنى أكثر وضوحاً اعتماد سوق العمل على سبيل المثال على ممرضات، أو فنيين من جنسية واحدة بشكل قد يشكل تهديداً لتلك القطاعات وانكشافها في حال وقوع ظرف يمنع أفراد تلك الجنسيات من مزاولة عملهم، ولهذا فإن هذا المؤشر هو بمثابة "ثرمومتر" لتأمين وقياس مدى اعتبار مهنة معينة في مأمن، أم هي معرضة لخطر الانكشاف.. ومن هنا يتوجب توفير رصيد مهني وطني كافٍ لضمان استمرار النشاط الاقتصادي في القطاعات دون اعتبار للظروف والمؤثرات الخارجية، وهو ما يعرف بالأمان المهني، وهنا يبرز دور وزارة التعليم والمعاهد المهنية التي تشكل المخزن البشري الذي يمد سوق العمل بما يحتاج فعلياً لا أن يدفع بالخريجين في تخصصات تشبّع السوق منها وأصبحت عبئاً عليه.