منذ أن بدأت كتابة المقال الصحفي قبل عقد ونصف، كنت ومازلت شغوفاً بالقراءة والكتابة عن السير والأيقونات والرموز البشرية، لأنها أي الكتابة تُمثل غوصاً عميقاً في خبايا وزوايا النفس البشرية وتحليقاً بعيداً في سماوات الإبداع والإلهام الإنساني. وتُعد الكتابة عن الأيقونات الملهمة التي استطاعت أن تنقش أسماءها بحروف من نور في سجلات الخلود، هي الأكثر متعة وفائدة وتأثيراً، لأنها تقترب كثيراً من دقائق التفاصيل وزوايا الدهشة وأسرار النبوغ التي شكلت حياة الإصرار والتحدي والعزيمة لتلك الأيقونات الخالدة التي رفضت أن تكون مجرد أرقام تراكمية في سجلات المواليد البشرية. لقد استطاع أولئك المغامرون الحالمون أن ينسجوا من خيوط/ظروف الفشل والمعاناة والبؤس والحرمان والتشرد روايات ملهمة مازالت تُقرأ بفخر وإلهام ودهشة على مسامع الزمن، لتكون بوصلة القدوة وترمومتر النجاح وأشعة الأمل لكل الأجيال البشرية التي وجدت في قصصهم الملهمة طوق خلاص من أمواج الإحباط واليأس والفشل. القصص الرائعة التي شكلت "عنوان الخلود" في روزنامة الزمن كثيرة حد الإبهار وملهمة حد السطوع، وهي تستحق أن تُدرج في كل المناهج وأن تُروى على كل المنابر، لأنها القدوة الكبرى والمُثل العليا. ما أصعب الاختيار من بين آلاف القصص الملهمة التي تستحق أن تُزيّن صدر هذا المقال، ولكن حكاية "أعظم عبقري في تاريخ البشرية" لم تُطق الانتظار: ولد إسحق نيوتن في بلدة وولثورب الإنجليزية في العام 1642، وقد سُمي على اسم والده الذي تُوفي بعد ثلاثة أشهر من ولادته، وتزوجت أمه من رجل ثري، وتركت نيوتن في رعاية جدته لأمه. في عمر الثانية عشرة، عاد نيوتن للعيش مع أمه بعد أن مات زوجها الثاني، والتحق بمدرسة الملك في بلدة غرانثام، ولكنه سرعان ما تركها بسبب تدني مستواه الدراسي ليعمل في مزرعة وولسثورب كأبيه، إلا أنه لم يكن مزارعاً جيداً، وعاد لمدرسته من جديد وأكمل تعليمه العام. في العام 1661، التحق بجامعة كامبريدج كطالب عامل وهو نظام كان شائعاً في ذلك الوقت يقتضي أن يدفع الطالب مبلغاً أقل من أقرانه مقابل أن يقوم ببعض الأعمال. وقد أظهر نيوتن تفوقاً ملحوظاً في الرياضيات والفيزياء والفلك ولكن الجامعة أغلقت في العام 1665 بسبب انتشار وباء الطاعون، فعاد نيوتن إلى لنكولنشاير وقضى فيها سنتين هما الأهم في حياته حيث إنه بدأ يُفكر في مسألة الجاذبية وحركة الأجسام، وكرّس وقته لدراسة البصريات وتجربة أفكاره حول العمليات الحسابية، وفي عام 1667 عاد مرة أخرى إلى جامعة كامبريدج وأنهى تعليمه الجامعي، وحصل على درجة الماجستير في العام 1669 وهو لم يتجاوز السابعة والعشرين وعُيّن أستاذاً للرياضيات. وقد لفت اختراعه للتلسكوب العاكس أنظار المجتمع العلمي إليه، وفي عام 1672 أصبح زميلاً في الجمعية الملكية. لم ينل عالم من الإشادات والألقاب كنيوتن، وفي دراسة استقصائية أجرتها الجمعية الملكية عام 2005 حيث سألت أعضاءها عمّن كان تأثيره أكبر على تاريخ العلم: نيوتن أو أينشتاين فاختاروا نيوتن لمجمل أعماله. تُوفي إسحاق نيوتن في العام 1727 وهو بعمر ال 84، وقد نُقش على النصب التذكاري الذي وضع بالقرب من قبره: "هنا يرقد إسحق نيوتن الذي أظهر بفلسفته العميقة عظمة الله، وكان وجوده مصدر إلهام وسعادة للبشرية". [email protected]