تعد القضايا المتعلقة بالإسكان من القضايا الملحة في الفترة الأخيرة وتسير في مسار تصاعدي ينذر بعواقب قد لا تكون حميدة يخشى معه أن تتحول إلى أزمة، فالمجتمع السعودي يشهد معدل نمو سكاني غير عادي فقد كشفت دراسة نشرت في صحيفة عكاظ بتاريخ 28/3/2005م أن المملكة أصبحت تحتل المرتبة الأولى على مستوى العالم في معدل النمو السكاني حيث يولد بالمملكة طفل كل 19 ثانية. ويلاحظ في المدن الرئيسية الكثافة السكانية المتزايدة الناتجة من ارتفاع معدل النمو السكاني والهجرة أو النزوح من المدن الصغيرة والقرى إليها بحثاً عن حياة معيشية أفضل. والحديث عن الإسكان وهمومه حديث متشعب ومعقد في ذات الوقت لارتباطه بجوانب عدة، لذا آثرنا التحدث بقليل من الاستفاضة عن جانبين في هذا الموضوع وهما التأجير العقاري والتمويل العقاري، على اعتبار أنهما من المسائل الجوهرية في قضية الإسكان في المملكة. فيعد موضوع تأجير العقارات والعلاقة بين المؤجر والمستأجر من المواضيع التي لم تنل نصيبها بعد من التنظيم الكافي، ونقصد بذلك إلى عدم وجود تشريع أو نظام صادر من السلطة التشريعية (التنظيمية) لتنظيم عقود إيجار العقارات في المملكة، فكل ما هنالك الآن هي قرارات وتعميمات متفرقة صادرة من أكثر من جهة وجلها من السلطات التنفيذية وليس التشريعية ونقصد بذلك (مجلس الشورى ومجلس الوزراء)، وهو فراغ تنظيمي لا يمكن السكوت عنه أو تجاهله، ولا يتناسب البتة مع التطورات التشريعية التي شهدتها المملكة في السنوات القليلة الماضية. فالعلاقة بين المؤجر والمستأجر متأزمة في حالات كثيرة وخصوصاً من جانب المستأجرين حيث المماطلة في التسديد أو إخلاء العقار مستغلين بذلك ضعف الإجراءات النظامية الحاسمة التي تكفل للمؤجر حقوقه. فالوضع الحالي يشير إلى أنه وعند حلول موعد سداد الإيجار أو انتهاء العقد، يتم مخاطبة المستأجر عن طريق مكتب العقار المؤجر ويمنح مهلة أو أكثر للشكوى، وحين لا يجدِ نفعاً يحال الموضوع إلى المحكمة الشرعية المختصة بالنظر في النزاع، ومن الممكن أن لا يحضر المدعى عليه (المستأجر) الجلسة الأولى والثانية، والنتيجة إطالة المستأجر لبقائه في العقار المؤجر، وبعد أن يصدر الحكم ضده تبدأ المماطلة من جديد من قبل المستأجر مع الحقوق المدنية. وكل ذلك يعني إطالة أمد البقاء للمستأجر دون حق منه، مما يدفع بعض المؤجرين قسراً إلى التنازل عن حقوقهم المادية مقابل إخلاء المستأجر للعقار. وقد صدرت بعض الحلول من قِبل إمارة منطقة الرياض وإمارة منطقة مكةالمكرمة وهي عبارة عن تعميم صادر إلى محافظي محافظات المنطقة ورؤساء مراكز الشركة تتضمن إجراءات فورية حاسمة ضد المماطلين من المستأجرين تضمنت قطع التيار الكهربائي وإيقاف المستأجر في أحد مراكز الشرطة لحين الدفع، وهي إجراءات وإن كانت حاسمة ورادعة ضد المستأجرين المماطلين في السداد، إلا أنها إجراءات غير نظامية (سبق وأن تمت مناقشة أسباب عدم نظاميتها بالإسهاب في موضوع بذات الصفحة في العدد رقم «13402» وتأريخ 23/1/1426ه). لذا الحل النظامي الأسلم هو سرعة إيجاد نظام لإيجار العقارات يكون الإطار الشامل لكل ما يتصل بتنظيم الإيجارات في المملكة، بحيث تجمع في مدونة واحدة حقوق وواجبات كل طرف من أطراف عقد الإيجار، ويدرج في هذا النظام إجراءات حاسمة وفورية للحد من المماطلة في دفع الإيجار أو إخلاء العقار، وان يفوض النظام السلطات التنفيذية تطبيق هذه الإجراءات فوراً دون اللجوء إلى المحاكم خاصة إذا كان عقد الإيجار صحيحاً غير متنازع على صحته. وقد نشر في الصحف قبل أكثر من عام عن وجود مشروع نظام في هذا الصدد، ولا نعلم ماذا تم بشأنه حتى الآن. وقضية مشكلة الإسكان مرتبطة بتفشي ظاهرة المماطلة من قبِل المستأجرين، وكيفية ذلك يمكن أن نفهمها من خلال عزوف الكثير من المستثمرين في الاستثمار بالوحدات السكنية منصرفين إلى مجالات استثمارية أخرى نتيجة هذه المخاوف مما قلل من كمية المعروض في السوق العقاري، وأدى ذلك إيضاً وبشكل طردي إلى ارتفاع أسعار الإيجارات، وهو محل تذمر وشكوى المستأجرين، مما دفع البعض بالمطالبة بتدخل الدولة إلى تحديد قيم إيجار العقارات، وهو في نظري أمر غير منطقي لإنه ينافي مبدأ العقد شريعة المتعاقدين ويتنافى إيضاً مع المبادئ الاقتصادية الأساسية من العرض والطلب ومبدأ الحرية الاقتصادية الذي تنتهجه الدولة وكل ذلك طبعاً بشرط غياب المحظورات الشرعية كالاحتكار مثلاً. ولكن يمكن للدولة أن تتدخل بطرق غير مباشرة في موضوع تنظيم قيم إيجار العقارات السكنية وذلك بمعالجة الأسباب المؤدية إلى ارتفاع الإيجارات والتي لا تتناسب حالياً مع الدخول الفردية للمواطنين. فمما يمكن للدولة أن تقدمه في هذا الصدد هو الإسراع في إصدار نظام تأجير العقارات والذي أسلف الذكر عنه، فوجود نظام حاسم ضد المستأجرين المماطلين ويحفظ في ذات الوقت حقوق الطرفين وخاصة ملاك العقارات، سيدفع بقوة نحو المزيد من الاستثمارات في الوحدات السكنية المخصصة بالإيجار مما يزيد بالتبعية كمية المعروض منه، ففي الوقت الحاضر كل الأرقام والدلائل تشير إلى أن هناك نقصاً في المعروض في مناطق وأحياء كثيرة. ومن الحلول إيضاً الذي يمكن أن تقدمه الحكومة إعادة النظر في أنظمة البناء المطبق حالياً والتي شجعت للأسف بالتمدد الأفقي أكثر من اللازم. فعلى سبيل المثال لو قام أحد الأشخاص بشراء أرض بنية بناء شقق سكنية وتقع على شارع عرضه 20م فلن يسمح له النظام ببناء أكثر من طابقين، مما سيدفعه حتماً إلى محاولة تعويض ما أنفقه على قيمة الأرض والبناء وتحقيق عوائد عن طريق رفع قيمة الإيجار. ومن الأمور التي ستساهم في الحد من ارتفاع قيم الإيجارات تقديم المزيد من الدعم والتسهيلات للمستثمرين في السوق العقاري لزيادة المعروض من الوحدات السكنية ومواكبة النمو السكاني المتزايد. ومن الأمور المبشرة في هذا الصدد أن الكثير من المتابعين والمحللين الاقتصاديين متفقين على أن السوق العقاري سيشهد في الفترة القصيرة القادمة نمو كبير ومتزامن مع الطفرة الاقتصادية الكبيرة التي تشهدها المملكة حالياً. فالسوق العقاري الآن يعد ثاني أكبر سوق من الناحية السوقية، ومقبل على طفرة نتيجة ارتفاع حجم الطلب المتوقع وتعدد الفرص الاستثمارية ووجود سيولة عالية، وكل ذلك متوقف حتماً على تحديث التشريعات المتعلقة بالعقار وتفعيلها، فهناك توقع لارتفاع الطلب، ففي دراسة معدة من قبل الغرفة التجارية والصناعية بجدة نشرت في صحيفة الاقتصادية بتاريخ 16/12/1426ه، أشارت إلى أن مدن المملكة بحاجة إلى قرابة مليون ونصف وحدة سكانية حتى نهاية عام 2015م، وذلك لمواجهة النمو السكاني وتفادياً لحدوث مشاكل سكنية. ومن القضايا التي يمكن أن تسهم بفعالية في حل مشكلة الإسكان في المملكة إقرار نظام التمويل والرهن العقاري، فقد تردد مؤخراً عن قرب إصدار نظام له. وفي حال تحقق ذلك فسيكون بإذن الله نقلة كبيرة في حل مشاكل الإسكان لدينا. ونظام التمويل أو الرهن العقاري يعني الحصول على تمويل من البنوك والمؤسسات المالية لشراء عقار ما، على أن يكون العقار مرهوناً للجهة الممولة ويتم التسديد على أقساط شهرية معقولة لمدد تصل إلى 25 سنة، وتنتقل الملكية للفرد بعد أن يستوفي الممول كامل حقوقه. فنظام التمويل العقاري يعد بلا شك مخرجاً نظامياً واقتصادياً لمعالجة مشاكل تمويل مشروعات الوحدات السكنية خاصة لمحدودي الدخل لا سيما مع ارتفاع أسعار الأراضي وتكلفة البناء العالية، فكما أسلفنا القول هناك زيادة متوقعة للطلب على الوحدات السكنية خاصة إذا علمنا أن حوالي 60٪ من سكان المملكة من الفئة العمرية ما دون العشرين. ونظام التمويل العقاري سيخفف من العبء على صندوق التنمية العقاري، فالصندوق غير قادر على تلبية طلبات القروض لتمويل الإسكان، فلديه طلبات يصل عددها إلى حوالي 350 ألف طلب، وتظل قدرة الصندوق قاصرة عن استيعاب كل هذا العدد، فمثلاً نشر في صحيفة اليوم بتاريخ 24/12/2005م خبر يشير إلى أن مجموع ما وفره صندوق التنمية من قروض ما بين عام 2000م و2005م لم يتجاوز 50 ألف قرض. كما أنه لا يوجد ما يمنع من الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في معالجة مشاكل الإسكان، فمثلاً في الدول الأوروبية يوجد نظام فاعل يقضي ببناء مساكن في ضواحي المدن الرئيسية وتعرض للاكتتاب العام للمواطنين مقابل أقساط شهرية لسنوات طويلة، وهي حلول تهدف إلى إيجاد حل لمشاكل الإسكان بالإضافة إلى تخفيف الضغط على المدن الرئيسية، ومن الحلول إيضاً تشجيع الفرص الاستثمارية في المدن الصغيرة لتخفيف الضغط السكاني في المدن الكبيرة وإيقاف النزوح المتزايد عليها، مما جعل المدن الرئيسية ترزح تحت ضغط تزايد تكاليف الخدمات العامة والبنية التحتية. وختاماً يجب أن نعي حقيقة أن المملكة مقبلة على انفجار سكاني إن صح التعبير، يتطلب ذلك التدخل والمعالجة الصحيحة ويتأتى ذلك من خلال معالجة جذور المشكلة بعيداً عن التسطيح أو إيجاد الحلول المؤقتة. فمشكلة الإسكان ليست مشكلة ذاتية المنشأ بل هي مشكلة مرتبطة وجوداً وعدماً مع عملية التنمية والتخطيط السليم على كافة المستويات. ٭ باحث قانوني [email protected]