بدأ الاهتمام بمهنة العمارة في المملكة العربية السعودية قبل حوالي أربعين عاماً حيث تم إنشاء أول قسم للعمارة ضمن أقسام كلية الهندسة بجامعة الملك سعود وكان ذلك عام 1387ه حيث يعتبر أول قسم للعمارة على مستوى الجزيرة العربية وقد اكتسب الريادة بتخريج الرعيل الأول من المعماريين والمخططين الذين يعملون حالياً في المواقع القيادية في قطاع الجامعات والقطاعين الحكومي والخاص. لذا لا نستطيع القول إن مهنة العمارة في المملكة العربية السعودية في طور النمو فأربعون عاماً كفيلة بخلق كثير ورسم بصمات واضحة في مجال تطوير العمران والعمارة في بلد يمتلك مقومات كثيرة ومتميزة تساعد في تحقيق رغبات المصممين وخلق إبداعاتهم ببروز مشاريع تعكس فكر المعماري السعودي وفلسفته وتبين نتاج عمل دؤوب قام به طالب العمارة استمر خمس سنوات في دراسة مناهج مختلفة حتى تخرجه في كليات العمارة المختلفة المنتشرة في بلادنا إضافة إلى سنوات الخبرة التي قضاها بعد التخرج. إلا أن الملاحظ للواقع المعماري لدينا لا يرى سوى اجتهادات ومحاولات بسيطة تظهر على استحياء بين كل فترة وأخرى لا تلبث أن تتلاشى وهي في الواقع لا تعكس نتاج أكثر من ألفي معماري سعودي ومن خلال مقالي هذا أحاول أن أتلمس الأسباب التي أدت إلى هذا الاخفاق. أبدأ مع المرحلة الأولى لتكوين المعماري وهي كليات العمارة والتخطيط الموجودة لدينا وبالذات كلية العمارة والتخطيط بجامعة الملك سعود كونها الأقدم والأكثر خريجين على مستوى المملكة، حيث تم تحديد أهداف قسم العمارة وعلوم البناء بالنقاط التالية كما يوضح ذلك دليل القسم الصادر في عام 1419ه-1420ه وهي: 1- تزويد الطلاب بمستوى مميز من المعرفة والمهارات يؤهلهم لممارسة المهنة في مجالات العمارة وعلوم البناء. 2- إعداد كوادر معمارية تساهم في تطوير البيئة العمرانية وتشجيع الحفاظ على العمارة المحلية وتأصيلها في مختلف مناطق المملكة. 3- تطوير المنهج وطرق التدريس الحالية لتعليم العمارة وعلوم البناء. 4- المساهمة بالأبحاث العلمية والدراسات التي تعزز تطوير العمارة وعلوم البناء وتشجيع الباحثين للعمل على حل المسائل المتصلة بالعمارة بما يتناسب مع تقاليد وقيم وتراث المجتمع في المملكة العربية السعودية. أهداف في مجملها جيدة تبشر بحصاد جيد من المعماريين المميزين قادرين على اظهار عمارة متميزة ذات طابع وطني نابعة من أرض المملكة ومعبرة عن إنسان هذا البلد تبرز خصائصه الدينية والاجتماعية والثقافية وبترجمة تلك الأهداف إلى متطلبات ومناهج دراسية تؤهل الطالب عند اكمالها للحصول على درجة البكالوريوس في العمارة نجد أنه يتعين على الطالب اجتياز 175 وحدة دراسية مقررة لكي يتخرج تتوزع بين متطلبات الجامعة والكلية والقسم وبعض المواد الاختيارية بنسب متفاوتة تحظى متطلبات القسم بالنصيب الأوفر من الوحدات الدراسية المقررة. وبالاطلاع عن قرب عن المحتوى المنهجي لتلك الوحدات الدراسية نجد أن هناك مقررات أساسية للمرحلة الجامعية تدرس لكل التخصصات العلمية مثل مقررات الثقافة الإسلامية واللغة الإنجليزية والرياضيات والفيزياء. ثم مقررات مساعدة يحتاجها المعماري في عمله مثل تصميم المنشآت الخرسانية وبعض نظريات الإنشاء المعماري إضافة إلى التركيبات الميكانيكية والكهربائية والصحية والإضاءة والصوت وعلوم الحاسب الآلي. ثم يأتي الجزء الأهم في منهج طالب العمارة وهي المواد التخصصية الأكثر وحدات دراسية وتبحث في مواضيع أسس التصميم والتخطيط وتاريخ ونظريات العمارة والإنشاء المعماري وتنسيق المواقع وأخيراً الجزء الإداري من العمل الهندسي والذي يبحث في موضوع ممارسة المهنة وبرمجة المشاريع وإعداد العقود والوثائق. هذه نظرة سريعة على محتوى منهج دراسة العمارة، ومن خلال عناوين المقررات نجد أنها تضم خزينة لا بأس بها من العلوم المتنوعة والشاملة التي تجعل من المعماري الخريج متسلحاً بالعديد من الأسلحة العلمية تساعده في اقتحام ساحة العمل وهو واثق من تأهيله العلمي. بالرغم من قلة المقررات التي تبحث في الإنسانيات والعمارة وعلاقة السلوك الإنساني والفراغ المعماري وتاريخ العمارة التقليدية وطرزها في المملكة العربية السعودية حيث لا يوجد سوى مقررين اختياريين غير ملزمين للطالب بدراستهما يبحثان في هذا المجال. إذن نستطيع القول إن الجزء الأكاديمي من تكوين المعماري جيد إذا احتوت تلك المقررات على مواد تعكس مفهوم كل مقرر وتعبر عن عنوانه المنهجي وروعي فيها متابعة الجديد والحديث في كل مجال من مجالات العمارة والعمران. وطبقت تلك المقررات من قبل أساتذة أكفياء متفرغين للتدريس ولديهم الرغبة والوقت الكافي للعطاء. وفسحت كليات العمارة والتخطيط المجال للتواصل مع معماري القطاع العام والخاص لتقديم خبراتهم وتجاربهم العلمية والعملية ودمجها مع المنهج الدراسي. وقيم الطالب بحسب ما يقدمه من جهد وإنجاز وإبداع يعكس شخصيته المعمارية. هذا من الجانب الأكاديمي. أما من الجانب العملي فالخريج يلتحق بالقطاع العام أو الخاص ولكل قطاع مجاله وطريقته فالقطاع العام يغلب على أعماله الطابع الإداري ويوجه عادة الملتحقون بهذا القطاع للإشراف على المشاريع الجاري تنفيذها أو الاشتراك مع مجموعة أكثر خبرة في دراسة وتصميم مشاريع جديدة ويحتاج الخريج إلى وقت طويل لفهم أسلوب العمل واستراتيجية الإدارة التابع لها لاهمال عنصر تعريف الموظف بحقوقه وواجباته عند التحاقه بالعمل وترك ذلك لاكتشافه الذاتي. أما القطاع الخاص فأعماله تكون أكثر تخصصية والجانب الإداري محدود إلا أن نجاح المعماريين الوطنيين فيه محدود للسيطرة الفنية الواضحة للمعماريين والمهندسين غير الوطنيين على معظم الشركات والمؤسسات والمكاتب الاستشارية لدينا. يعمل المعماريون والمهندسون بعد تخرجهم في القطاعين العام والخاص وفي أذهانهم أهداف معينة وطموحات يسعون لتحقيقها ففي القطاع العام تلعب الترقيات الوظيفية في المراتب دوراً أساسياً في تكوين المهندس ومحتوى ما يقدمه رغم أن تلك الترقيات لا تخضع غالباً لمقاييس ومعايير متعارف عليها فهي تعتمد على توافر المرتبة الوظيفية وعوامل أخرى. أما في القطاع الخاص فيسعى منتسبيه إلى المردود المادي بصورة رئيسية. إذا التدرج الوظيفي في القطاعين العام والخاص لا يخضع لمستويات تأهيلية علمية وعملية تبرز ما يكتسبه المعماري والمهندس من مهارة ومعرفة وخبرة تميز مستوى أدائه عن الآخرين في نفس تخصصه وهذه أحد أهم عوامل قلة بروز معماريين ومهندسين مميزين. إذن هناك فجوة واضحة بين مناهجنا الأكاديمية ومتطلبات سوق العمل والنجاح والتميز فيه تستحق أن يفرد لها مؤتمر تشارك فيه الجهات ذات العلاقة ممثلة في القطاعين العام والخاص وجامعات المملكة بهدف أساس هو ربط متطلبات سوق العمل بالمناهج الأكاديمية. وهذا نداء إلى الجهة ذات الريادة في تطوير كل شيء وهي «الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض» لتبني هذا المؤتمر.