لكي يحيا الإنسان حياة كريمة فلابد من أثاث نظري، وقيم يتمحور حولها الفعل الإنساني وهي: الطبيعة والحرية والمستوى الحضاري المتحرك والنامي باتجاه الأمثل، ولكنها عناصر ترسخ قيماً معيشية من أبرزها الخيار والحق في الاختيار والوعي بالحريات وحدودها، وتحول الإنسان إلى فرد قائم بذاته وموكل بإدارة خياراته، وحين يحدث شيء من هذا في أي مجتمع فأنت أمام طاقة إنسانية تجد أمثل ظروفها لأن تكون وتنتج وتتحضر. مثل هذه الأمور حاولت جاهدة ان اكتشفها في مجتمعنا، وفي أشباهه من المجتمعات التقليدية فوجدت انها لا زالت تحتاج إلى فعل حضاري مستمر، وإلى أمد زمني، حيث تغيب كل الصفات اللازمة لأن يستشعر الفرد فرديته ولأن يدير خياراته. والأسباب إما تأويلات متعسفة لمقاصد الشريعة أو للتداخل بين الديني والاجتماعي حيث ارتدت بعض التقاليد الاجتماعية معنى مقدساً ألصق بالدين دون رؤية واضحة لمقاصده. في بلادنا مثلاً لدينا من الطبيعة الجميلة ما قد لا يوجد في كثير من بلاد العالم، لكن مستوى الحرية والوعي بالحرية، مؤولة وقائمة على تداخلات واسعة بين القلق الاجتماعي الشمولي، وبين امتثال الفرد لذلك القلق وإذعانه لشروطه. هذا يجعل الإشكالية على أكثر من طرف، لكن أي أحد يستطيع استبيانها بالنظر إلى التدفق الهائل لأعداد السعوديين الذين يغادرون كلما سنحت لهم الفرصة. في الصيف.. كن في بيروت أو في القاهرة، أو في أي بلد آخر وأنظر مواطنيه وهو يملأون الأرض والسماء. في لبنان مثلاِ بلد المسلمين والمسيحيين واليهود تجد - كما جاء في مقولة الشيخ محمد عبده: طبيعة خلابة وحرية ومستوى حضاري يندر وجوده في الدول العربية - أنا مسلمة ومحافظة من بلد إسلامي عريق. هناك وجدتني أضيف إلى نفسي قيمة أخرى فامتدت المعادلة لأن أكون مسلمة وحضارية وحرة. وهناك وجدت الاحترام وتمتعت بجمال الطبيعة واستأنست بجميع الآراء بما فيها تلك التي لا أقرها، هناك وجدت تعاليم الإسلام الحقة بأن يكون المسلم قدوة في التسامح والتعامل مع الآخرين وفقاً لما تدعو إليه الآية الكريمة: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، هناك اكتشفت لماذا تم إنهاء التسلط الكنسي في أوروبا عندما تدخل في حياة الناس وجعل من الكنيسة رباً يمنح الرحمة والعقاب، هذه دعوة لمن يقول إن الإسلام هو الحل بأن العبرة بما فعل الرسول حينما قدم إلى المدينة وأصدر صحيفة المدينة كدستور بين أهل المدينة وذوي المشارب المختلفة من مسلمين ويهود وقد صاغها باستشارة علماء الأمة وقد مثلت أول دستور في الحضارة الإسلامية. إذن.. فنحن أمام ذخيرة معرفية موروثة، وأمام قيم إسلام وإنسانية نستطيع من خلالها إيجاد النموذج الأمثل لأن نكون جميعاً.. مسلمين محافظين ومواطنين أحرار وصالحين.