الشعر إحساس وجداني يعيش في مدارات العقل فيتلاقى مع الاهتمامات والدوافع النفسية فهو في هذه الحالة يمثل فكر الشاعر الذي هو جزء من الأمة، وعليه تقع مسؤوليات جسام في أن ينقل هذه الهموم والأماني والأحلام ليترجمها عبر القصيدة.. ولكن لماذا يغيب هذا النهج عن صفحاتنا ومجلاتنا الشعبية؟! تساؤل محرق ومزعج بل أن الكرة في مرمى القائمين على هذه المنافذ الفكرية فهم المسؤولون عن كبت واخفاء النصوص التي تعالج مثل هذه القضايا تحت أعذار اعدها واهية وغير مقبولة، فبعض القائمين على اجازة تلك النصوص يضعون من أنفسهم أوصياء على فكر الآخرين.. فمثلاً تتعرض بعض البلدان العربية لهجمات عسكرية أو فكرية فيقوم بعض الشعراء بتبني وجهات نظر أراها صائبة وتحمل المضامين الحقة لماهية الإنسان المنتمي إلا أن مثل هذه الأعمال ترفض بحجة تناول قضايا سياسية غير واضحة المعالم ومجرد الحديث عنها من وجهة نظر القائمين على تلك الصفحات أو المجلات كارثة حتى وان كان الشاعر تبنى وجهة نظر قيادته وأمته، وهناك مثال آخر لو شاعر أراد مواجهة جهة من الجهات التي تقدم خدمات للمواطنين ومستواها دون المطلوب فحاول أن يجسد آراء الآخرين عبر عمل أدبي فإن مصير هذا العمل سلة المهملات للأسف الشديد..! ولعل المتابع للشبكة العنكبوتية.. يدهش من الفارق الكبير بين ما يجده وبين الصفحات أو المجلات الشعبية المتخصصة أقول إن الرقيب أين كان.. مازال يمارس أسلوبه المتعنت والملزم والموجع ويقتص من روح إبداعنا وللأسف ان هذا الرقيب سيفه القلم وهو منا ولكن حتى تستمر الحياة على وتيرتها بالنسبة له ولا يكون هذا عرضة للمسألة والخوف منها هو الذي جعله يعتقد أن المراوحة على تقديم السائد والمقبول الباهت هو الأقرب إلى الصواب حيث الابتعاد عن أماكن المواجهة والتعقيب والاختلاف.. وانا أجزم أن «لا» الشاعر عندي خير من ألف «نعم» لآخر.. لأن الشعراء هم الأقرب إلى اختصار هموم الناس، وهم الأصدق والانقى والأقدر على تقديم الحلول.. ولكن يبدو أن الشعراء العرب اعتادوا على «النعم» المبجلة فأهملوا ما هو أهم وأرقى.. وأنا هنا أطالبهم بأن يعطوا هذا الجانب النقدي والتحليلي جل الاهتمام حتى وان رفض نشره.. واقتصر حضوره على مجالس الرجال.. وإنها لملاحظة أسوقها و أقول إن الشاعر خلف بن هذال العتيبي عندما حلل في احدى قصائده في أزمة الخليج الثانية استطاع أن يعطينا رؤى وفلسفات عسكرية بل وفكرية وقدم قراءة واستشرافاً لمستقبل كان في ذلك الوقت غامضاً ومجهولاً فإذا عدنا إلى قصيدته الآن نجد كم هو عقلية متقدمة فكرياً.. وما خلف إلا نموذج يمثل الشعراء الشعبيين أصحاب الرؤى والتحليلات المنطقية الذين يجعلون هم الوطن في أول اهتماماتهم حتى وإن قسوا يوماً على فكر دخيل أو أخطاء فردية تضر بهذا الوطن.. إنها دعوة لتعميق الرؤية في قضايا الأمة ومعالجتها.. بل وطرحها بروح الحب فالشعر محبه ! [email protected]