لئن جرت العادة على وصف الجراحة التجميلية بأنها شأن يخص الأثرياء فقط، وبصفة خاصة النساء الموسرات اللاتي تقدم بهن قطار العمر، فإن الأمر لم يعد كذلك وفقاً لمسح أجري مؤخراً من قبل الجمعية الأمريكية للجراحة التجميلية. فقد اتضح من واقع هذا المسح الذي شمل 644 شخصاً - يفكرون جميعاً في إجراء جراحة تجميلية في غضون العامين المقبلين - أن المرضى الخاضعين لهذه الجراحة ينتمون إلى شرائح من جميع المستويات من حيث الدخل والعمر. وقد خلص الدكتور وولتر ايرهاردت رئيس لجنة التثقيف والتوعية العامة بالجمعية الأمريكية للجراحة التجميلية إلى أن هذه الظاهرة أصبحت تشهد تزايداً مستمراً. وتحدث الدكتور ايرهاردت في هذا الخصوص قائلاً: «إن توفر موارد التمويل يزيد من فرص إجراء الجراحة التجميلية ويجعلها متاحة بشكل أفضل». وأعرب عن اعتقاده أن الناس يكون بمقدورهم اتخاذ بعض القرارات». ويمكنهم على سبيل المثال أن يؤجلوا شراء السيارة لكي يوفروا تكلفة العملية. وأشارت الدراسة أيضاً إلى أن حوالي 30٪ ممن استطلعت آراؤهم أفادوا بأن دخل أسرهم يقل عن 30 ألف دولار في العام، بينما قال 41٪ من المشمولين في المسح الاستطلاعي أن الدخل السنوي لأسرهم يتراوح بين 31 ألفا و60 ألف دولار. أما الذين يزيد الدخل السنوي لأسرهم على90 ألف دولار، فقد بلغت نسبتهم 13٪ فقط. وكان المسح قد أجري عن طريق الانترنت، حيث كان من أجروه يركزون على من أعربوا عن عزمهم إجراء عملية جراحة تجميلية خلال السنتين القادمتين. أما أعمار المشمولين في المسح، فقد كانت متفاوتة إلى حد بعيد؛ حيث تراوحت أعمار 26٪ ممن أجابوا على أسئلة المسح الاستطلاعي بين 18 و29 عاماً وتراوحت أعمار 38٪ منهم بين 30 و49 عاماً، بينما كانت أعمار 36٪ في حدود خمسين عاماً فأكثر. وقد بلغت نسبة النساء 85٪ ممن شملهم المسح. إلى جانب هذا المسح العام، أجرت الجمعية نحو ستين مقابلة اتسمت بالعمق والشمول مع أشخاص يفكرون جدياً في الخضوع لمبضع الجراح. وقد ظل أكثر من 40٪ من هؤلاء الأشخاص يعملون فكرهم ويقلبون الموضوع من جوانبه كافة؛ وربما أمضى بعضهم أكثر من عام وهم يفكرون في هذا الأمر. ويؤكد الخبراء أن فكرة إجراء العملية لم تكن وليدة لحظتها لدى معظم المرضى؛ وإنما فكروا في هذا الموضوع بقدر كبير من الروية والتأني. أما بخصوص الدواعي الموجبة لاجراء العملية، فإن أغلب المرضى أعربوا عن شعورهم بأن أداءهم سوف يتحسن اجتماعياً ونفسياً وعاطفياً بعد العملية. ويزعم معظمهم أن الرغبة في تجميل جانب معين لم يكونوا راضين عنه هي التي حدت بهم إلى اتخاذ قرار الخضوع لعملية الجراحة التجميلية. وأما الدافع للعملية لدى نحو 75٪ من المشمولين في الدراسات، فهو يتمثل في اكتساب صفات جسدية مميزة مثل حسن المظهر وجمال المنظر. وقد توقع 45٪ - أكثرهم من الرجال - الحصول على بعض المزايا والمردودات الاجتماعية كأن يبدو أحدهم أكثر جاذبية على سبيل المثال. وثمة وجهة نظر تخصصية أخرى أبدتها الخبيرة جوان كريسلر أستاذة علم النفس في كلية كونكتيكت بمنطقة نيولندن، فهي ترى أن هناك دوافع أخرى وراء القبول المتزايد والإقبال المطرد على الجراحة التجميلية. وقد أجملت هذه الدوافع في عامل واحد، هو التلفاز. وأشارت الدكتورة جوان تحديداً إلى البرامج التلفازية التي تعرض العمليات الجراحية التحويلية التي يتغير فيها المرء جذرياً، من شعر رأسه حتى أخمص قدمه وفي غضون أسابيع معدودات. وأشارت إلى الآثار التدميرية لتلك البرامج التي تروج لما يوحي أن الجميع بمقدورهم الخضوع للجراحة التجميلية، وأن تلك البرامج في الغالب تعطي الانطباع بأن اكتساب مظهر يتسم بمزيد من الجاذبية أمر يستحق عناء الدخول في الديون الطائلة. ووصفت جوان عمليات الجراحة التجميلية في الوقت الحالي بأنها أشبه ما تكون بشراء زي جديد. وأعربت جوان عن عدم موافقتها على إحدى نتائج المسح، وهي النتيجة التي مفادها أن المشمولين في المسح لم يكن دافعهم لاجراء العملية هو مجرد التأنق غير المبرر وإنما تجميل مظهر جسدي مثير للقلق والازعاج. فقد قالت جوان إن الأمر سيان عندها. ومضت جوان تقول إن الأشخاص الذين يعتقدون أنهم سوف يصبحون أكثر سعادة بعد إجراء الجراحة التجميلية قد يصابون بالاحباط وخيبة الأمل - ذلك أنهم قد يكونون أكثر سعادة حيال منظر الأنف بعد عملية تجميل الأنف أو مظهر الحواجب بعد عملية شد الحاجبين؛ بيد أن المستوى العام للسعادة قد لا يتغير لديهم «ما لم يحدث التغيير في دواخلهم» على حد تعبيرها. أما الدكتور ايرهاردت فهو يحث الذين يزمعون اجراء عمليات الجراحة التجميلية على أن يتحلوا بالواقعية - مشيراً في هذا الصدد إلى أن البرامج التلفازية قد تكون سلاحاً ذا حدين؛ لجهة أنها أفضت إلى توقعات غير واقعية من حيث عدد العمليات التي يمكن اجراؤها خلال فترة زمنية وجيزة - الأمر الذي قد لا يتأتى إلا للقلة القليلة من الناس الذين تسمح لهم إمكانياتهم بذلك. ومن جهة أخرى وفقاً للدكتور ايرهاردت، فإن البرامج التلفازية قد بينت للناس التغيير الذي أحدثته الجراحة التجميلية في حياة من خضعوا لها من الأشخاص العاديين.