التقى رئيس التحرير الأستاذ تركي بن عبدالله السديري يوم أمس الأول «الخميس» بحضور عدد من المسؤولين في التحرير وفداً إعلامياً هندياً يزور المملكة حالياً، يضم كلا من: فيكرام تشاندرا مدير تحرير في التلفزيون الهندي في نيودلهي، وبرمت بال تشادوري مسؤول الشؤون الدولية في صحيفة هندوستان. وقد رحب رئيس التحرير في بداية اللقاء بالوفد الإعلامي الهندي الزائر، مؤكداً على أهمية تبادل الزيارات الإعلامية لما يحقق الأهداف المشتركة بين البلدين الصديقين. وقال: نحن في المملكة حكومة وشعباً..ننظر إلى الهند بمزيد من الاحترام والتقدير، والإشادة بدورها الناجح على كافة المستويات داخل الهند وخارجها، كذلك تفردها بتجربة سياسية واقتصادية واجتماعية تعد من أنجح التجارب في آسيا، فعلى المستوى السياسي تتميز الهند بأنها دولة لم تعرف الانقلابات العسكرية التي كانت احدى أسباب نكسات العرب، مما انعكس إيجاباً على استقرار الهند السياسي، كذلك تنمية وعي المواطن الهندي بالقضايا السياسية، فالهندي الذي يبحث عن العمل والتعليم اليوم هو إنسان واعٍ في مجال الانتخابات، أما على المستوى الاقتصادي فقد تمكنت الهند من تنمية مواردها المالية غير الكافية وتوجيهها نحو برامج طموحة كالتعليم والصحة والتقنية، وعلى المستوى الاجتماعي نجحت الهند في تحقيق التعايش بين مختلف الديانات والمذاهب التي تمثل نسيج المجتمع الهندي. وأضاف: ان الشعب الهندي قد لا يطلع على الصحف السعودية، لكنه موجود في معالجاتنا الصحفية عند الحديث عن النماذج المشرفة إنسانياً واقتصادياً في العالم، مشيداً بالقيادات السياسية الهندية في التعاطي الناجح مع القضايا الدولية، ومن ذلك رئيسة الوزراء أنديرا غاندي التي عملت معها لقاءً صحفياً منذ سنوات ووجدت لديها الأفق الواسع، والتجربة الناجحة في التعامل مع القضايا السياسية، إلى جانب البساطة والتواضع لديها. عقب ذلك جرى حوار مفتوح، فيما يلي نصه: التجربة الهندية ٭ تشادوري: من وجهة نظركم ما الذي تغيّر في التجربة الهندية على مدى 15 عاماً الماضية؟ - السديري: الملاحظ أن هناك تطوراً مستمراً في التجربة الهندية على كافة المستويات، وأصبحت قريبة - من وجهة نظرنا - إلى الدول العظمى مع الصين، فخلال متابعتنا لهذه التجربة طوال السنوات الماضية نلحظ أن هناك تطوراً في الإنسان الهندي، وإكسابه المعارف والخبرات التي تؤهله لمستوى مرموق من الوعي، إلى جانب حالة الاستقرار السياسي التي تشهدها البلاد، كذلك الرغبة الطموحة في تعزيز الموارد الاقتصادية لتنمية البلاد. العلاقات السعودية - الهندية ٭ تشادوري: هل تتفقون معي أن العلاقات السعودية - الهندية لم تكن بالمتانة في الفترة الماضية؟ - السديري: أتصور أنه يجب أن تقوى العلاقات بين البلدين الصديقين، لأننا في المملكة نعتقد أنه لا يوجد لدينا خصومات مع الهند لا في الماضي ولا الحاضر، فمن الطبيعي القول إننا نحتاج الهند، والهند تحتاجنا، حتى على مستوى التعامل الشخصي يعتبر الموظف الهندي، الذي يعمل في المملكة طبيباً أو مهندساً، أو مصمماً.. الخ، هو على مكانة عالية من الخبرة والتجربة، فهو يعمل باحترام ونقابله باحترام.. فعلى هذا الأساس نشعر أن هناك تقارباً بين البلدين على كافة المستويات، ونتطلع في المستقبل إلى تقوية هذه العلاقات، حيث ان الزيارة المرتقبة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - إلى الهند تمثل انطلاقة حقيقية لهذه العلاقة، في سبيل تعزيزها على كافة الصعد، لاسيما على الصعيد الاقتصادي. الموقف من الباكستان ٭ تشاندرا: هل تتوقعون أن تكون الباكستان عقبة في العلاقة بين المملكة والهند؟ - لا يمكن أن تكون الباكستان كذلك..ففلسطين لم تكن عقبة في علاقتنا مع أمريكا.. وإسرائيل خطر.. لكن الهند ليست خطرا علينا. اهتمام الملك عبدالله بالهند ٭ تشاندرا: الملك عبدالله أبدى اهتماماً بالهند منذ أن كان ولياً للعهد، فما سبب اهتمامه؟ - يوسف الكويليت: أعتقد أن هناك أكثر من جانب لهذا الاهتمام، فالجانب الأول أن هناك أكثر من مليون عامل هندي في المملكة يعملون في عدد من التخصصات والمهن التي يحتاجها سوق العمل في المملكة، والثاني هو احترامنا لما قالته أنديرا غاندي: «اتركوا آسيا للآسيويين» وهو مبدأ نرى فيه أهمية تعزيز التعاون بين الدول الآسيوية، والثالث أننا نعتقد أن الهند هي أقرب لثقافتنا وجوارنا الجغرافي والعلاقات التاريخية من دول آسيوية أخرى، والرابع هو وجود أقلية مسلمة في الهند تمثل ثاني أكبر تجمع سكاني للمسلمين بعد أندونيسيا، وهنا أستشهد في هذا الجانب بدعوة الملك فيصل لحضور الهند لاجتماعات منظمة مؤتمر العالم الإسلامي، حيث عارضت بعض الدول هذا التوجه كون المسلمين يمثلون أقلية في الهند، لكن الملك فيصل أجابهم: إن مجموع المسلمين في الهند يوازي أكثر من دولة إسلامية. وعلى هذا الأساس نشعر أن الملك عبدالله باهتمامه بالهند كدولة ناهضة وكبيرة يرى أهمية ترجمة هذه العلاقة المتميزة في أكثر من مجال، لاسيما في مجال التكنولوجيا والسياحة والاستثمار الصناعي وغيره خصوصاً أن الملك عبدالله حريص دائماً على توثيق علاقات المملكة مع دول العالم ومع مصالحها الخاصة. المسلمون في الهند ٭ تشاندرا: يمثل المسلمون في الهند حوالي 15٪ من عدد السكان، بما يصل الى حوالي 150 مليون مسلم، وسؤالي: هل تتوقعون أن يؤدي المسلمون في الهند دوراً حيوياً في منظمة مؤتمر العالم الإسلامي؟ - د. عبدالمحسن الداود: تأثير الهند كإحدى الدول الناهضة متوقع على دول العالم الإسلامي، حيث سبق لها التأثير على الصعيد الثقافي والفكري للمسلمين، حينما أسهم العلماء المسلمون من الهند بمؤلفاتهم الفكرية القيمة، كما يمكن أن يسهم المسلمون الهنود في طرح مبادرات للمنظمة لتصحيح ما يعانيه الإسلام والمسلمون اليوم من حملات إعلامية مغرضة، كذلك يمكن الإفادة من التجربة الهندية على مستوى تعايش المسلمين مع غيرهم من العرقيات الأخرى داخل الهند للتأكيد على منهج الإسلام في التعايش مع الشعوب الأخرى، وتعزيز مظاهر الوسطية والاعتدال التي تعبر عن جوهر الإسلام الحقيقي، كذلك لا ننسى أن المسلمين في الهند قد تبوأوا مناصب رفيعة في المجتمع الهندي حتى وصلوا إلى منصب رئيس الدولة، وهذا بلاشك يؤكد على مستوى تأثيرهم ليس على المستوى الداخلي الهندي، وإنما امتد ذلك أيضاً على المستوى الخارجي.. فالدور الهندي للمسلمين مؤثر جداً لاسيما إذا عرفنا أن تعدادهم اليوم كثاني تعداد للمسلمين بعد أندونيسيا يؤهلهم لتحقيق الدور المطلوب في هذه المرحلة. تعداد المسلمين في الهند ٭ د. عبدالعزيز الجارالله: أعتقد أن تعداد المسلمين في الهند قد يصل الى 300 مليون مسلم، هل هذا صحيح؟ - تشاندرا: هذا الرقم الذي أشرت إليه هو عدد المسلمين في الباكستان وبنغلاديش والأقلية المسلمة في الهند، والصحيح أن عدد المسلمين في الهند يتراوح ما بين 140 - 150 مليون مسلم، بما يعادل 15٪ من تعداد السكان. نقل التقنية إلى المملكة ٭ الكويليت: هل بالإمكان نقل تجربة الهند التكنولوجية إلى المملكة؟ - تشادوري: نقل التقنية إلى المملكة هي عملية سهلة وغير معقدة، لكن المهم أن يتحقق لهذا الأمر مطلبان مهمان، الأول: أن تكون النسبة العظمى من الشباب السعودي مهتمة ومؤهلة لتلقي التقنية، فلدينا في الهند على سبيل المثال نسبة إقبال الشباب على التقنية لا تتجاوز 35٪ من السكان. الثاني: أن تكون العمالة التي تنقل التقنية رخيصة، لأن العمالة التي تتطلب تكاليف مالية بالغة تؤثر على عملية النقل. الابتعاث إلى الهند ٭ الكويليت: هل هناك جدوى من ابتعاث الطلاب السعوديين إلى الهند لتلقي علوم التقنية، باعتبار الهند أقل تكلفة مقارنة بدول أوروبية أخرى؟ - تشاندرا: أعتقد أن هذه الفكرة جديرة بالاهتمام والدعم، فالابتعاث إلى الهند لتلقي علوم التكنولوجيا هو في واقع الأمر عملية مجدية جداً على مستويين: الأول في جانب الكفاءة والخبرة الهندية المتوفرة هناك، والثاني: في قلة التكاليف المادية على المبتعث لتلقي هذه العلوم مقارنة بدول أخرى.. فنحن في الهند لدينا مجموعة كبيرة من الطلاب من عدة دول يتلقون علوم التكنولوجيا، وقد تحقق لهم النجاح والخبرة والكفاءة التي تؤهلهم للانخراط في سوق العمل. - تشادوري: لدي مداخلة على هذا السؤال الهام، وهي أن الطلاب من معظم دول العالم يفضلون الذهاب للغرب أفضل من الذهاب إلى الهند لأغراض أخرى غير التعليم، على الرغم من توفر عنصري الكفاءة في التدريب، وقلة التكاليف. الاستثمار في مشتقات النفط ٭ تشاندرا: باعتبار المملكة من أغنى دول النفط في العالم، والهند من كبريات الدول المستوردة للنفط ومشتقاته.. وسؤالي: لماذا غابت الهند عن الاستثمارات السعودية في مجال الغاز والبتروكيماويات على الرغم من امكاناتها التقنية وقلة تكاليف الأيدي العاملة؟ - السديري: الاستثمار في مشتقات البترول، والغاز، والصناعات البتروكيماوية في المملكة، كان استثماراً مفتوحاً مع جميع الدول ولا زال، فالدول التي وقعت عقوداً استثمارية لم تُستثن عن غيرها، كالهند مثلاً، ولكن هذه الدول قدمت عروض وجدوى اقتصادية لنوع الاستثمار، إلى جانب قدرتها في الجانب التقني والتدريب عليه، وبعد دراسة هذه العروض وتقييمها ومناسبتها لشروط الاستثمار في المملكة تمت الموافقة. ونحن في المملكة نتطلع أن يكون هناك استثمار في مثل هذا النوع من قبل الشركات ورجال الأعمال الهنود في المستقبل. منتدى استثماري بين البلدين ٭ د. الداود: ماذا عن الاستثمار الهندي في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية؟ ولماذا لا يكون هناك منتدى استثمارياً بين رجال الأعمال في المملكة والهند، لاسيما مع انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية وقرب الهند إلى المملكة؟ - تشاندرا: استثمار رجال الأعمال الهنود موجود في عدد من الدول، مثل شراء الهند أسهم شركات تعمل في حقول الغاز في كازاخستان وروسيا، ولدى الحكومة الهندية توجه إلى تعزيز الشراكة الاقتصادية مع المملكة للاستثمار في عدة جوانب قد يكون في المستقبل مدينة الملك عبدالله أو غيرها. - تشادوري: في الواقع أن الهند توجهت منذ العام 1991م في اتباع سياسة التحرر الاقتصادي، ولكن المشكلة أن هذا التحرر يُستثنى منه مجال الطاقة الذي تسيطر عليه الحكومة الهندية، وهناك نقاش يجري حالياً في الهند لتحرير هذا القطاع بما يسهم في التعاون مع عدد من الدول وفي مقدمتها المملكة. التغيّر في المجتمع السعودي ٭ تشاندرا: هل هناك تغيّر ملحوظ في الوضع الاجتماعي للمملكة - السديري: التغير في المجتمع السعودي اليوم هو تغير كبير وهائل ولم نكن نتوقعه.. التغيير كان لابد منه، لأن الحياة الاجتماعية والثقافية في المملكة، وحتى الممارسة الإعلامية قبل سنوات لم تكن متواكبة مع امكانات دولة ذات التأثير الكبير على المستوى العربي والإسلامي والدولي.. وهنا أريد أن أقدم لك حقيقة مهمة حول مسألة التغيير في المجتمع السعودي، وهي: «أن مشكلة التغيير ليست مع الحكومة، ولكن مع بعض فئات المجتمع»، فعلى سبيل المثال: مدارس البنات في المملكة قبل أكثر من 30 عاماً فُتحت بالقوة وحمتها الدولة حتى عسكرياً.. بداية ظهور التلفزيون في المملكة كان هناك عدد من أفراد المجتمع تظاهروا أمام مبنى التلفزيون لقطع الإرسال وتحطيمه.. أيضاً التلفزيون السعودي لم يكن في بدايته الأولى يقدم الأغنية والفيلم السينمائي وظهور المرأة.. الآن كل ذلك يُقدم.. أيضاً من مظاهر الانفتاح والتغير في المجتمع السعودي تعدد مجالات عمل المرأة.. فالمرأة السعودية لم يعد مجال عملها مقتصر اليوم على التعليم.. وإنما تجاوز ذلك بكثير إلى الطب، والهندسة، والبنوك، والتقنية، والإعلام، والأنشطة والبرامج الاقتصادية والاجتماعية الأخرى، فعلى سبيل المثال نحن في جريدة «الرياض» لدينا أكثر من 30 صحفية على مستوى المملكة، وهناك سيدتا أعمال ضمن مجلس إدارة غرفة تجارة جدة، ومهندسة ضمن مجلس إدارة جمعية المهندسين، حتى على مستوى الحضور في المؤتمرات والندوات واللقاءات الخارجية أصبحت المرأة السعودية خير ممثل لوطنها، فنجدها في مؤتمر ثقافي وإعلامي في دبي قد تجاوز حضور الصحفيات السعوديات إلى نحو 17 صحفية، وحتى الوفد الثقافي السعودي الذي يزور الهند حالياً هناك سبع سيدات على الأقل ضمن الوفود.. هذا التغيّر والانفتاح لم يكن موجوداً قبل سنوات في المجتمع السعودي.. ولم يكن متوقعاً اليوم.. ولكن تحقق هذا التغير بفضل قبول ورغبة كثير من أفراد المجتمع لذلك.. واستجابة الحكومة مع رغبة المجتمع نحو الانفتاح والتغير.. لكن هنا أمر مهم يجب التنبيه عليه وهو أن هذا التغيّر والانفتاح تم بشكل سلس دون صدام بين أفراد المجتمع السعودي.. لأننا كمجتمع سعودي حكومة وشعباً لا نرغب في التغيّر أو الانفتاح الذي يقودنا إلى الصدام والشقاق.. نريد أن نكون أكثر انفتاحاً.. وأكثر وحدة وتماسكاً.. - الكويليت: أيضاً من مظاهر الانفتاح والتغير في المجتمع السعودي، إعادة ترتيب الأولويات والاهتمامات للأسرة السعودية، ففي السابق مثلاً كان الاهتمام بالرياضة، اليوم الوضع مختلف، فالجانب الاقتصادي أصبح يأخذ الحيز الأكبر في نقاش الأسرة، كذلك نحو مستوى الوعي لدى المجتمع، فلا نجد بيتاً سعودياً يخلو من جهاز الحاسب، والاشتراك في الانترنت. الصادرات الهندية ٭ عادل الحميدان: صادرات الهند إلى المملكة تتراوح بين ثلاثة إلى أربعة مليارات ريال معظمها زراعية، ماذا عن التقنية؟ - تشاندرا: الهند لا تصنع أجهزة حاسب، وإنما تُنتج برامج حاسوب باللغة الإنجليزية، إلى جانب إمكاناتها في مجال التدريب على التقنية، وتشغيلها، ولكن هناك مشكلتين في تصدير التقنية الهندية إلى المملكة، أولها لغة البرامج الحاسوبية التي لا تنسجم مع متطلبات السوق السعودي، والعائق الثاني أن معظم المبرمجين والمبرمجات الهنديات يفضلون العمل في دول أخرى غير المملكة، وهو بالطبع قد يكون ناتج عن الصورة الخاطئة عن المملكة التي بدأت تزول من أذهانهم، نتيجة التطور والانفتاح الكبيرين اللذين تعيشهما المملكة في هذه المرحلة. العمالة الهندية في المملكة ٭ تشاندرا: هناك أكثر من 1,6 مليون هندي يعملون في المملكة، ولدينا تقارير أن بعضهم قد وجد بعض المضايقات في أسلوب التعامل، فما ردكم على ذلك؟ - السديري: هذه التقارير التي أشرت إليها غير دقيقة، ربما هناك حالات نادرة لا تذكر، لكن الواقع الذي نشاهده أن العمالة الهندية والفلبينية هما من أفضل العناصر العاملة في المملكة، مقارنة بجنسيات أخرى اشتهرت بمخالفات سيئة.. الجالية الهندية في المملكة تلقى الاحترام والتقدير من الشعب السعودي، لأنها في الواقع عمالة محترمة.