سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الاكتئاب.. المرض الذي يقدم المصابون به على الانتحار..!! دراسات تُشير إلى أن العقاقير والحبوب المضادة له ليست في النهاية شرٌ لابد منه بل لها منافع واسعة
الاكتئاب.. هذا المرض الذي يُعتبر واحداً من أكثر الأمراض انتشاراً في العالم، ويُصيب تقريباً أكثر من 15٪ من السكان في جميع أنحاء العالم. هذا المرض الذي يُكّلف الدول المليارات نتيجة علاج هذا الاضطراب الذي غالباً ما يكون مُزمناً، ويؤثر على حياة المريض وعلى عائلته وعلى المجتمع، وعلى الدولة ككل. فكثير من الأشخاص يتغيبون عن العمل نتيجة الاكتئاب، وللأسف فإن هناك الملايين من البشر لا يتعالجون من هذا المرض، بل إن هناك الكثيرين لا يعترفون بالاكتئاب، ولا يعتبرونه مرضاً، رغم أنه واحد من اشرس الأمراض ، وأكثرها تأثيراً على حياة الإنسان، وكما ذكرنا فإن هذا المرض لا يؤثر على المريض فقط ولكن أيضاً على عائلته وعلى المحيطين به. الاكتئاب المرض الخطير والمؤلم والمؤذي والذي قد يقود إلى أن يُنهي الإنسان المصاب بهذا المرض حياته بالانتحار، حيث بلغت نسبة الأشخاص الذين يقدمون على الانتحار ممن يعانون من مرض الاكتئاب حوالي 15٪، وهو أعلى مرض نفسي يُقدم المصابون به على الانتحار، خاصة إذا كان مرضاً شديداً، وتزداد النسبة إذا كان المريض لا يُعالج. المؤسف أن الاكتئاب إذا كان شديداً، فإن اعراضه تكون مُزعجة، فالمريض لا يتكلم وأحياناً يتخشب، أي لا يتحرك، وأحياناً لا يأكل ولا يشرب مما قد يتسبب في وفاته.! والأمر الآخر الأكثر خطورة أن بعض الأهل، خاصة في مناطقنا العربية تُنسب هذه الأعراض إلى الأرواح الشريرة والجن، ويذهبون به إلى أشخاص غير مؤهلين طبياً لعلاج مثل هذا المرض.. فمثلاً قد يستخدم الضرب لإخراج الجن الذي دخل وجعل الشخص مُتخشباً، أو قد يصف له أدوية غير معروفة التركيب قد تضر أكثر مما تنفع. الاكتئاب في المراحل المتقدمة، يحتاج إلى علاج عاجل، وسريع، وربما يكون العلاج بالجلسات الكهربائية هو أفضل العلاجات للاكتئاب، خاصة إذا كان هناك تخشب، وفقدان وزن، ويصمت المريض لفترة طويلة، وينعزل، ويبدأ يُفكّر كثيراً بعدم جدوى الحياة، وأنه من الأفضل له أن يكون خارج هذا الكوكب (الأرض).. أي أن ينتحر..! أيضاً علاج الاكتئاب الدوائي أمرٌ في غاية الأهمية، حيث أن كثيراً من المرضى بالاكتئاب تتغير حياتهم بعد استخدام العلاجات المضادة للاكتئاب. فقبل وجود الأدوية المضادة للاكتئاب كان المرضى الذين يعانون من الاكتئاب يتعذبون دون أن يوجد ما يُخفف آلامهم وكآبتهم والتي قد تنتهي بمآس أو أمور أخرى ذات مردود اجتماعي سلبي على المريض وعلى عائلته وكذلك الأصدقاء المحيطين به. الآن أصبحت مضادات الاكتئاب منتشرة بكثرة، وربما تكون من أكثر الأدوية التي تستخدم في العالم مع الأدوية المهدئة الصغرى مثل الفاليوم، والذي يُعتبر أكبر دواء يُباع في العالم..! إن استخدام الأدوية المضادة للاكتئاب أصبح الآن منتشراً بكثرة، وتطورت صناعة هذا العلاج نظراً للإقبال عليه، وكثرة الأشخاص الذين يستخدمون مضادات الاكتئاب، ليس فقط من أجل الاكتئاب، بل أصبح الآن لمضادات الاكتئاب مفعول آخر لعلاج عدد لا بأس به من الاضطرابات النفسية الأخرى، خاصة الأدوية التي تحوي مادة السيروتونين، وتعمل على تثبيط سحب مادة السيروتونيين في الموصلات الكيميائية في خلايا الدماغ والتي تُعرف بالأدوية المثبطة للسيروتونيين (Selective Serotonin Reuptake Inhibitors) وهذه الأدوية ثبت مفعولها في علاج عدد من اضطرابات القلق، مثل اضطراب الوسواس القهري، اضطراب القلق العام، اضطراب الهلع، الرُهاب الاجتماعي، رُهاب الساح، الرُهاب البسيط، اضطراب القلق نتيجة أمراض عضوية وكذلك اضطرابات القلق الناتجة عن سوء استخدام العقاقير. لهذه الأسباب مجتمعة، أصبحت الشركات تتنافس على إنتاج أدوية مضادة للاكتئاب من هذا النوع، وبدأت شركات تُنتج أدوية من هذا النوع إضافة إلى تأثيره على مادة النورادرينالين ليكون مفعوله مضاعفاً، ويعمل على أكثر من موصل كيميائي في الدماغ، وبالتالي يتم الحصول على مفعول أقوى، وأفضل من ناحية سرعة المفعول..! إن التقدم الذي يحدث الآن في صناعة الأدوية المضادة للاكتئاب أمرٌ جاد، وشركات الأدوية أصبحت تدخل هذا السوق حتى التي كانت ليس لها علاقة بالأدوية النفسية أو العصبية في السابق..! لقد حضرت قبل عشر سنوات بالتحديد عام 1996 إطلاق دواء مضاد للاكتئاب لإحدى الشركات التي لم يكن لها علاقة بأي صورة من الصور بالأدوية النفسية أو العصبية، ومع ذلك غامرت وانتجت دواءً مضاداً للاكتئاب، والآن بعد عشر سنوات، يُعتبر هذا الدواء المضاد للاكتئاب من أفضل الأدوية المضادة للاكتئاب، وكسبت منه الشركة مكاسب مما شجعها على الخوض في مجال الأدوية النفسية والعصبية. ولا زلت اذكر هذا الحدث لأن المسؤولات عن الضيوف في المؤتمر الخاص بهذا الدواء، وكان خارج منطقة الشرق الأوسط، كان هؤلاء النساء المسؤولات عن الضيوف، عندما تحدثت مع إحداهن فقالت لي بأنهن لأول مرة يحضرن لاجتماع أو مؤتمر لأطباء نفسيين، وكنا يعتقدن بأن الأطباء النفسيين ربما يكونون غريبي الأطوار لذلك، كنا متخوفات من نجاح الاجتماع أو المؤتمر، وعندما تحدثن معنا اكتشفن بأن الأطباء النفسيين لا يختلفون عن الأطباء الآخرين..! ومن هنا ترسخ في ذهني المقولة المتداولة بأن الأطباء النفسيين يتميزون بغرابة التصرفات والسلوك، وهو قولٌ يجانبه الكثير من الصواب..! فكل فئة من المهنيين بينهم الجيد والسيء وكذلك بينهم المستقر نفسياً والمضطرب نفسياً..! أعود مرة أخرى إلى الأدوية المضادة للاكتئاب، واستعمالاتها المتعددة، وكذلك أصبحت أكثر أماناً، وأقل أعراضاً جانبية من الأدوية السابقة التي كانت متداولة قبل نحو عقدين..! أخيراً ظهرت بعض الدراسات والتي تُشير إلى أن العقاقير والحبوب المضادة لمرض الاكتئاب ليست في النهاية شرٌ لابد منه كما يُقال، حيث تبين للعلماء أن لها منافع وفوائد أوسع من تلك المصممة لها في الأصل. ويقول العلماء إن استمرار استخدام مضادات الاكتئاب يُنشط حالة نمو خلايا جديدة في منطقة الدماغ يُعرف عنها أنها مُعرّضة لموت غير عادي في خلاياها بسبب الضغط النفسي والكآبة. يُشار إلى أن حالات الاكتئاب تُصيب في بريطانيا لوحدها نحو سبعة عشر في المئة من إجمالي السكان في فترة من فترات حياتهم، وهي في ازدياد مستمر، وهذه النسبة للإصابة بالاكتئاب نسبة عالية في المجتمع البريطاني، ولا تقل هذه النسبة في الدول الأخرى والمجتمعات الأخرى. ويُعتبر تأثير العقاقير المضادة للاكتئاب أو الإحباط النفسي وما إليها من عوارض وأمراض نفسية على خلايا الدماغ من الأمور المجهولة إلى حد كبير حتى الآن. إلا أن الباحثين من جامعة بيل الأمريكية يعتقدون أنهم ربما قطعوا شوطاً طبياً في طريق حل هذه المعضلة. واكتشف هؤلاء أن تعاطي هذه العقاقير لفترات طويلة مرتبط بنمو وظهور خلايا جديدة، تُعرف علمياً باسم النيورونات، في منطقة من الدماغ تُعرف باسم منطقة الهيبو كامبس، أو قرن آمون كما هي تُعرف باللغة العربية، ومنطقة قرن آمون، أو الهيبو كامبس، معروفة بالنسبة للعلماء في أنها تلعب دوراً مهماً في تطور التعلم ونشاط الذاكرة واتساعها، وحالات المزاج وتقلباته، ولها دور بارز في تحديد طبيعة ودرجة المشاعر العاطفية. كما أنها واحدة من المناطق القليلة في الدماغ التي تستمر فيها الخلايا بالنشوء والنمو والتطور حتى مراحل متقدمة من البلوغ. وقد أظهرت بحوث سابقة أن التجارب والخبرات الحياتية الضاغطة، من الناحيتين النفسية والبدنية، تتسبب في فقدان وموت بعض الخلايا في منطقة الهيبو كامبس، وأن تعاطي مضادات الاكتئاب يمكن أن يوقف عملية فقدان تلك الخلايا. اختيارات واختبارات: وقد قام فريق علمي برئاسة البروفيسور رونالد دومان، الخبير في الطب النفسي وعلوم الصيدلة، بفحص واختبار تأثيرات الأصناف المتعددة للأدوية المضادة للاكتئاب وتلك القريبة منها، وأهمها علاج تستخدم فيه الموجات الكهربائية يُعرف اختصاراً باسم أي. أس. سي. ويُعرف علاج أي. أس. سي بأنه أقوى علاج لحالات الاكتئاب القوية التي تقاوم معظم الأدوية المتداولة، حيث لوحظ أن الاستخدام المتكرر لهذا العلاج رفع نسبة خلايا النيورونات بنسبة وصلت إلى خمسين في المئة. أما الأدوية المركبة كيماوياً فقد تبين أن تعاطيها المستمر يؤدي إلى ارتفاع في النيورونات بنسبة أربعين في المئة. وعلى نفس المستوى لاحظ العلماء أن تعاطي الأدوية لمدة لا تزيد على خمسة أيام لم يكن له تأثير ايجابي يُذكر على تلك الخلايا. ويبدأ الارتفاع القوي في عدد تلك الخلايا عندما تعطى الأدوية والعلاجات للمريض لفترات تتراوح بين أربعة عشر إلى ثمانية وعشرين يوماً. ويقول البروفيسور دومان إن هذا الاكتشاف يُفسّر للعلماء، وأن جزئياً، طبيعة التأثير والكيفية التي من خلالها تظهر النتائج العلاجية لها.