«.. يا رب خلي بابا وخلي ماما.. وخلي اخواني وصاحباتي.. ومدرستي ومدرساتي.. يارب خلي بلدي».. أوقفتني هذه الكلمات.. وهذا الصوت الخافت.. والنبرات الصغيرة.. ووجدتها تجلس على سجادتها الصغيرة.. وقد التفت بعباءتها الصغيرة.. ترفع يديها الى السماء.. وتدعو.. لم تحس بي ولم أرغب في ازعاجها.. وتركتها في مناجاتها ودعائها.. الذي شمل (أبله) فلانه.. وصديقتي فلانة.. ويبدو انها سامحتها بعد سوء تفاهم عابر.. كاد قلبي ان يطير ليحتضنها.. ويدعو معها.. ومنذ تلك اللحظة لم تفارقني صورة يديها الصغيرتين وهي تدعو لكل من تحب.. وكم رفعت مثل هذه الأيدي الصادقة الطاهرة الى السماء.. تدعو.. وتدعو.. منذ ان وقف ابراهيم وإسماعيل عليهما السلام ودعا «ربنا اجعل هذا البلد آمنا..».. ومنذ الصفوف الأولى خلف سيد البشر المصطفى عليه الصلاة والسلام.. وحتى يارا الصغيرة.. كم دعت القلوب في أصغر مدينة مسلمة في آسيا الشاسعة... في قرى افريقيا السوداء.. كم دعت القلوب في أقصى بلاد الشرق وعلى اصغر الجزر في أكبر المحيطات.. كم دعت عبر السنين ومن كل فج عميق شع في أرجائه نور الاسلام.. دعت ان يحمي الله الإسلام والمسلمين.. ان يحمي بلاد المسلمين.. دعت بكل اللغات.. بكل المفردات.. بكل الدموع الصادقة.. رفعت الأيدي البسيطة.. رفعت الأكف تدعو بكل الحب.. ان يحمي الله ولاة أمور المسلمين.. في كل زمان وكل مكان.. على اختلاف ألوانهم.. ولغاتهم.. وأصولهم.. دعت القلوب لوحدة أمة الإسلام.. تحت راية التوحيد.. راية المحبة والسلام.. وقال الجميع هنا وهناك.. ومعهم يارا.. آمين.. هذا هو الدين الذي حمله الأوائل في صدورهم وطافوا به الدنيا.. هذا هو الدين الذي نشأنا عليه ونشأت عليه يارا.. وجميع اطفال المسلمين.. دين المحبة.. أحبوا الصلاة فصلوها.. أحبوا رمضان فصاموه.. أحبوا الفقراء فتصدقوا.. أحبوا العيد فتعايدوا.. أحبوا بعضهم البعض.. تعاملوا بصدق مع غير المسلمين فعاش الكل في أمان.. لم يتعلم اطفالنا عبر السنين فنون الارهاب.. لم يتعلموا ان يختبئوا في الظلام لينشروا الرعب في المدينة المسلمة الطيبة المسالمة.. لم يتعلموا كيف يفخخوا السيارات.. لم يلبسوا الأحزمة الناسفة ويختالون بها.. لم يتعلموا ان الجهاد لا يكون الا ضد الأخوان.. الأوطان.. حماة الأمن.. وولاة الأمر.. موجة من الحزن والألم اعتصرتني.. وكادت ان تسحبني معها الى اعماق الخوف والكآبة.. لولا كلمات يارا.. وهي تودعني في طريقها الى المدرسة.. ضفائرها الصغيرة.. حقيبتها الصغيرة.. ابتسامتها الرقيقة.. أعادت بعض النور والسكينة الى أعماقي.. ورفعت يدها من داخل السيارة تلوح بعلم صغير كتب عليه «.. لا للإرهاب..».. ودعتها.. ولا ادري لماذا نظرت الى الشارع اكثر من مرة.. ولماذا تأملت الطريق.. وما هذا الشعور الذي انتابني!! ووجدتني أردد.. اللهم آمنا في اوطاننا.. واحفظنا.. واحفظ ولاة أمرنا.. واحفظ يارا.. وصديقات يارا.. وكل اطفالنا.. وشبابنا.. وأدم علينا نعمة الأمن والأمان.. آمين.