تشكل شبكة الانترنت تحدياً أمنياً لمعظم دول العالم، وقد اتضح خطرها بشكل لا يمكن تجاهله عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م حين ظهرت تقارير تبين أن مواقع ومنتديات معينة على الشبكة قد وظفتها بعض الجماعات لتبادل الرسائل بين أعضائها، ونشر البيانات التي تحاول من خلالها شرح مواقفها، وتصرفاتها للجماهير. ومما يلاحظ المتتبع لحركة النشر على شبكة المعلومات أن بعض العناصر الإرهابية قطعت شوطاً بعيداً في مضمار استثمار هذا القادم الجديد في مجالات محددة مثل بث الدعاية، وتعزيز ولاء الأنصار، ومناكفة الخصوم. ولم يتوقف الأمر عند هذا فقط بل انشئ العديد من المواقع والمنتديات الحوارية التي تخصصت في بث الأفكار وترويجها التي تعتنقها هذه المجموعات بعد أن وجدت في الانترنت الملاذ الآمن عن كثير من اشكال الملاحقة الأمنية والقضائية. ولعل من أبرز أسباب وضوح تأثيرات التوظيف السلبي للتقنية في مجال الإرهاب الفكري - تحديداً - هو أن الجرائم ذات الارتباط العقدي تتميز بأنها غاية في التشابك، والتعقيد من ناحية المضمون، وتتطلب من الناحية الفنية تعاطياً مهنياً أمنياً عالياً بدرجة التحدي نفسها التي يوظفها هؤلاء المخالفون لفكر مجتمعاتهم. وحتى يمكن وضع تصور عام لشكل التعاطي الأمني والبيئة الالكترونية التي تتم فيها جرائم الحاسبات، والانترنت، ينبغي أن نعلم أن هذه الجرائم ترتكب - وقد يفلت مرتكبوها من العقاب - بسبب ضعف تقنيات الرصد والتتبع الفني الأمني في معظم الدول المستهدفة بما فيها الولاياتالمتحدة، وكذلك تبرز اشكالية اخرى وهي عدم قدرة الأجهزة المكلفة بالتحقيق الجنائي على مواكبة تسارع التقنية من جهة، وصعوبة تتبع سبل اساءة استغلال معطياتها واتجاهاتها من جهة أخرى. ونظراً لما تقدم ولنمطية العمل الأمني الشرطي الذي يسير وفق رؤية مدارس فكرية تقليدية، فإن ارتكاب الجريمة التقنية يبدو عملاً قليل المخاطر بحيث يمكن أن تتم الجريمة التقنية دون أن تكتشف معظم أطرافها. يضاف إلى ذلك ما تفرزه تبعات الإجرام التقني هذا من تطورات قد لا تتمكن الأجهزة الأمنية من الإحاطة بها مما يزيد التكاليف المالية التي ترهق الميزانية الأمنية للدول. وتتضح اعباء الإجراءات الوقائية بشكل خاص بالنظر الى ما تستلزمه من نفقات في مجال التوعية العامة، وشراء وتحديث الأجهزة والبرامج، وتصميم مناهج التعليم، وتنفيذ برامج التدريب. ومما يزيد من حجم الظاهرة الإجرامية على الشبكة العالمية غياب أو عدم وضوح العقوبات مما يسهم في تشجيع الإرهابيين وغيرهم على توظيف الانترنت خاصة في ظل القاعدة التي تقول أن الاستخدامات السلبية للتقنية الحديثة تكون اسرع حضوراً وظهوراً من التشريعات والأنظمة الجزائية التي عادة ما تأتي على هيئة ردات فعل لأعمال إجرامية تراكمت في السجلات الأمنية. وتأتي على رأس قائمة معوقات مقاومة الجرائم الالكترونية مشكلة الثقافة الإدارية في المنظمة، ومدى وعي متخذي القرار التنفيذي بخطورة المشكلة، ومدى مساندة الإدارة العليا لخطط تدريب وتأهيل فرق تحقيق، ودوريات الكترونية تجوب دهاليز الانترنت لتراقب وتكشف وتضبط كل الممارسات الإجرامية. وفي العالم العربي حيث يتدنى مستوى الإنفاق على البحث العلمي إلى أدنى المستويات نجد أن حال الدارسات في مجال مواجهة الفكر المخالف الذي يظهر على شاشات الانترنت يعاني هو الآخر من الإهمال، وندرة المتخصصين، وانعدام المرجعية الفكرية. وفي ضوء ذلك كله يمكن تمييز بعض الخصائص الرئيسة للجريمة التي تتم بواسطة أو على شبكة الانترنت منها أنه يسهل (نظرياً) ارتكاب الجريمة ذات الطابع التقني، وهذا يعني ضمناً سهولة إخفاء معالم الجريمة، وبالتالي صعوبة تتبع مرتكبيها ومن ثم معاقبتهم. وفي جرائم الانترنت تكون الحرب (المعرفية) أوضح لما تتطلبه من حرفية فنية عالية سواء عند ارتكابها أو عند التحقيق فيها أو مقاومتها. وإذا تأملنا بعض العوامل الأخرى مثل البعد الزمني (اختلاف المواقيت بين الدول)، والمكاني (إمكانية تنفيذ الجريمة عن بعد)، والقانوني (أي قانون يطبق؟) نجد أن الانترنت ستظل هاجسا أمنيا مهدداً للأمن بمفهومه الشامل وستبقى مؤثراً معرفياً خطراً يمكن أن يهدد الأمن الفكري للأجيال الجديدة خاصة مع تراجع أدوار المؤسسات المجتمعية التي يفترض أن تكون صمام الأمن الفكري للمجتمع.