عبرت موسكو عن امتعاضها واستغرابها الشديدين تجاه الانتقادات الأمريكية الحادة التي جاءت على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس التي اتهمت روسيا باستغلال أزمة الغاز مع أوكرانيا لأغراض سياسية دون أن توفر الطعن حتى في مصداقية روسيا -على خلفية ذلك - في عضوية الدول الصناعية الكبرى وقيادتها لهذا النادي الدولي منذ مطلع العام الحالي. وأوضحت الخارجية الروسية أن الاتفاق مع أوكرانيا بمبادرة روسية إنما يؤسس لقاعدة صلبة لتوريد الغاز بشكل مأمول ومستقر ومديد إلى أوروبا ورفضت موسكو تقييمات رايس وخاصة ما يتعلق بالتشكيك بمصداقية عضويتها في الثماني الكبار منوهة بأن رايس اتهمت روسيا بتسييس الأزمة ولم تذكر حتى كلمة واحدة حول التوصل إلى الاتفاق مع أوكرانيا متسائلة على أي أساس بنت رايس موقفها أحادي الجانب هذا خاصة أن الطرفين الروسي والأوكراني أبديا ارتياحا لتسوية المعضلة. واعتبرت موسكو أن تصريحات رايس حول تعرض الأوروبيين للخطر بشأن إمداد الغاز عبر أوكرانيا لا يستند إلى أية أرضية واقعية خاصة أن غاز بروم الروسية أعلنت منذ البداية أنها تضمن إيصال حصص أوروبا من الغاز الروسي وستفي بالتزاماتها كلها أياً كانت الظروف واستشهد البيان الروسي بترحيب الاتحاد الأوربي بالاتفاق الذي تم التوصل إليه (نشير هنا إلى أن بعض مصادر الاتحاد الأوربي لم توفر الانتقاد إلى موسكو وعبرت عن شكوكها في أن تبقى روسيا شريكا مأمولا للطاقة على المدى البعيد). والملفت للنظر أن انتقادات رايس لم تخف التوجهات السياسية بحد ذاتها حيث اعتبرت كذلك أن رفع أسعار الغاز الروسي بالنسبة لكييف جاء كعقوبة لأوكرانيا- كبلد من الاتحاد السوفياتي السابق- على توجهاتها السياسية الغربية وأن على روسيا إن أرادت أن تكون لاعباً في الاقتصاد الدولي أن تلتزم بمعايير هذا اللعب لا أن تستغله سياسيا. من جهة ثانية بدأت أولى مظاهر العودة إلى المماحكات والتعبير المبطن عن عدم الرضا عن الاتفاق في الأوساط الأوكرانية ووصل الأمر بالتشكيك بمجمل مصداقية ما تم الاتفاق عليه ولو بنسب متفاوتة حيث أعلن رئيس الوزراء الأوكراني أن بلاده ستطرح وجهة نظرها في اتفاقية حكومية ستقدمها بداية فبراير القادم حول توريد الغاز الروسي إلى أوكرانيا هذا العام مما يفتح باباً للتساؤلات عن مدى جدية ما تم التوصل إليه. وزاد الأمر تعقيداً أن مؤسسة نفط غاز الأوكرانية أعلنت أنها قد لا تكون أساساً بحاجة إلى الغاز الروسي وقد تكتفي تماما بالغاز الآسيوي وستشتري الغاز الروسي فقط في حال احتاجت إلى ذلك وبهذا المعنى يبدو الإعلان عن الاتفاق مجرد لعبة ذكية للاستفادة من الشبكة الروسية لتوصيل الغاز من تركمانستان وقازاخستان وأوزبكستان عبر روسيا نفسها مما حدا بغاز بروم الروسية إلى المطالبة بالتزام أوكرانيا بجميع بنود الاتفاق الموقع في موسكو محذرة من أن الإجراءات أحادية الجانب ستؤثر على ضخ الغاز إلى أوكرانيا. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد حيث أعلنت رئيسة الحكومة السابقة يوليا تيموشينكو أنها قدمت التماساً إلى النيابة العامة الأوكرانية للطعن في اتفاقية الغاز مع روسيا وطالبت برفع دعوى قضائية ضد وزارة الطاقة والوقود الأوكرانية باعتبارها خانت المصالح الوطنية بموافقتها على تسعيرة الغاز الروسي بواقع 230 دولاراً لكل ألف متر مكعب كما طالبت البرلمان بإقالة إيفتشينكو رئيس المؤسسة الوطنية للنفط والغاز في أوكرانيا. ووصل الأمر بوزير الخارجية الأوكراني أن اعتبر ما تم الاتفاق عليه هزيمة نكراء لروسيا بينما ذهب نائبه الأول بوتيكو أبعد من ذلك بكثير حيث وصف روسيا بأنها امبراطورية ستسقط كما سقطت عبر التاريخ الامبراطوريات واحدة تلو أخرى. نشير أخيرا إلى أن الرئيس الروسي تجاهل تصريحات رايس وفورة التعليقات المشككة واعتبر الاتفاق إنجازا هاما جدا كونه كرس لأول مرة علاقات سوق متكافئة شفافة بين البلدين وأن هذا الاتفاق سيساهم في تدعيم استقرار أسواق الطاقة في أوروبا.