التقى أعضاء نادي حائل للقصة بفرع الجمعية العربية للثقافة والفنون مؤخراً بالمركز الثقافي الإعلامي ببرج حائل في ندوة عن النشر الورقي والالكتروني بدأها سكرتير النادي الأستاذ عبدالسلام بن إبراهيم الحميد بكلمة قصيرة مركزة عن النشر ودوره الهام في دعم الفكر والابداع، وتنمية الثقافة وتطور تقنيات النشر عبر التاريخ، وما يواجهه النشر في الواقع الحالي من تطور نتيجة ما يحدث من انجازات علمية كبيرة تركت أثرها على تقنيات النشر، وأشار في كلمته بالثناء على تجربة ما يحدث من انجازات علمية كبيرة تركت أثرها على تقنيات النشر، وأشار في كلمته بالثناء على تجربة موقع ومنتدى القصة العربية الذي يديره القاص جبير المليحان، ودور هذا الموقع والمنتدى في اتاحة الفرصة أمام عدد هائل من الساردين العرب لنشر أعمالهم والتواصل سواء فيما بينهم أو مع قرائهم. تحدث بعد ذلك الدكتور محمد صالح الشنطي الذي تناول تطور النشر عبر التاريخ حتى الوصول إلى اللحظة الراهنة مشيراً إلى ظهور الصحافة الالكترونية المتحررة من قيود الرقابة والحدود والتكاليف الباهظة مبيناً أن الواقع لا يخلو من سلبيات، حددها في الفوضى المربكة التي يقع فيها النشر الالكتروني حيث هناك من لا يملك لا المؤهلات العلمية أو المهنية وربما الاخلاقية اضافة للسطو على الحقوق الفكرية نتيجة غياب الحصانة للمواد المنشورة الكترونياً، كما أشار إلى أن المتعاملين مع الشبكة الالكترونية يمثلون طبقة لا يتجاوزون الملايين العشرة على امتداد مساحة الوطن العربي مما يشير إلى أن النشر الالكتروني مازال محدوداً وأن الكتاب التقليدي مازال يملك امكانات المنافسة لأنه متاح في أي مكان في أغلب الظروف، ثم أشار إلى أن الألعاب الالكترونية تلعب دوراً مزدوجاً في هذا المجال حيث يرى البعض أنها عائق أمام عادة القراءة، وعلى العكس يرى البعض الآخر أنها مقدمة لتعويد الشباب على القراءة الالكترونية، وأكد الشنطي في ختام كلمته أن التطور في صناعة النشر أمر طبيعي وأن كثيراً من دور النشر تحرص على أن يتضمن بعض مراجعها أقراصاً مدمجة اضافة للمساعدات الرقمية صغيرة الحجم التي تتيح المعلومات والكتب والصحف الالكترونية بيسر وسهولة في مختلف الظروف. تحدث بعد ذلك الناقد أحمد إبراهيم أحمد مبيناً أن النشر العربي الورقي يعاني من محدودية مساحة التلقي، فالكتاب العربي المحظوظ يطبع ثلاثة آلاف نسخة يعلم الله كم يوزع منها، ولعل الثقافة العربية هي الثقافة الوحيدة في عالمنا الذي يدفع المؤلف تكلفة نشر كتابه بدلاً من تلقي الأجر، وأن هذه المشاكل تنتقل تلقائياً إلى النشر الرقمي مع مضاعفات اخرى نتيجة سلوك ثقافي عربي تقليدي ينقل التجليات التقنية المادية دون التعمق في الفلسفة الكامنة وراءها لذلك من الضروري لفهم آليات النشر الالكتروني استيعاب مجتمع المعلومات الرقمي، وقال في تحليله لسياق العلاقات داخل مجتمع المعلومات انه يمكن رصد ثلاثة أنواع.. الاول موقف ايجابي يتمثل في التواصل مع العالم الرقمي، والثاني موقف سلبي خاسر مرحلياً نتيجة انهاء شخص علاقته بالعالم الرقمي بعد تواصل سابق به، والثالث موقف خاسر دائماً بسبب انقطاع العلاقة مع العالم الرقمي (الأمية الرقمية) وهي البديل المعاصر لأمية القراءة والكتابة في العديد من التعريفات الحديثة للأمية، وأوضح أن فاعلية مجتمع المعلومات تتحقق عبر دور الرقمنة Digitizing يبدأ بتحويل البيانات، والمعلومات، والوثائق إلى صيغ رقمية تفهمها أجهزة الحاسب، وقال إن العالم الرقمي يطرح على الثقافة العربية أسئلة ومشاكل هامة لم تحظ للأسف بالقدر الكافي من الدراسات من أهمها صلاحية قوانين الواقع الطبيعي للتطبيق على مجتمع المعلومات، وحقوق الملكية الفكرية للمواد الرقمية التي يتم تداولها عبر الإنترنت، وهي حقوق متشابكة ذات أبعاد اقتصادية، وثقافية أكثر تعقيداً من قرينتها الورقية؛ كذلك سلطة حجب المعلومات، وحدود أخلاقية هذه السلطة، ومواكبتها لقيم العصر، وتعارضها مع حقوق الأفراد والجماعات في المعرفة والوصول إلى المعلومات، وتحديد ما يناسبهم، أو العكس دون وصاية من جماعة أو نظام، أو فرد. ثم تناول أحمد إبراهيم الفارق بين شبكة المعلومات النحوية The syntactic wab والتي تجري البحوث منذ فترة ولازالت لتطويرها إلى شبكة المعلومات الدلالية The semantic web مبيناً أن محركات البحث تقوم في الأولى ببحث (شكلي) عن الكلمات بينما تبحث في الثانية عن (معان) وهذه الشبكة لن تكون فعالة مع اللغة العربية لأنها ليست لغة رقمية حتى الآن، مما يضعها في مواجهة تحديات لم يسبق لها مواجهتها لدرجة قد تصبح معها مهددة بالخروج من التاريخ نتيجة عدم مواكبة العلوم اللغوية الحديثة التي نشأت وتطورت خلال القرون الثلاثة الأخيرة اضافة لتطوير علوم الحاسب الآلي التي أسست لفلسفة معرفية جديدة في الدرس اللساني الحديث في درس عبر تخصص Interdisciplinary course بعد الثورة الرقمية في نهاية السبعينات الميلادية، وتوقع أحمد إبراهيم أن تصبح اللغة الرقمية من اللغات الحية بعد الاعتراف بها في الاممالمتحدة موضحاً أن اللغة الرقمية ليست لغة واحدة وانما لغات متعددة فلكل واحدة لغة رقمية معادلة لها هي لغة البرمجة واللغة التي لا معادل رقمي لها ستتحول للغة جامدة، وستُهمش الثقافة التي تنتمي لها هذه اللغة ولا يوجد في الأفق حتى الآن مشروع لرقمنة لغتنا، ومازالت الحواسيب لا تفهم اللغة العربية وتتعامل معها عبر طبقة وسيطة transparent لذلك فالآمال المعقودة على النشر الالكتروني العربي محدودة بكل أسف. داخل في الحوار الشاعر والكاتب الصحفي بجريدة الوطن شتيوي الغيثي وانحاز بوضوح للنشر الالكتروني مؤكداً أن التحول في التقنية ساهم في تطوير النشر، وسرعة التداول مشيراً إلى أن ذلك لا يعني الغاء النشر الورقي تماماً على الاقل في الوقت الحاضر، مستشهداً بمقولات الدكتور عبدالله الغذامي في كتابه الثقافة التليفزيونية التي تؤكد أن أدوات الاتصال المعرفي لا يلغي بعضها البعض، وأشار الغيثي إلى أن التقنية لا تنتظر تهيؤ الناس لها مسترجعاً مقولة بيل غيتس بهذا الشأن مؤكداً أن العالم يتغير بسرعة هائلة من يوم لآخر مما يستلزم تأسيس علاقة ألفة مع التقنية خاصة وأن العالم العربي مازال يختبر خطواته الاولى في عالم المعلومات بينما يلج العالم ثقافة مابعد النشر الالكتروني طارحاً تساؤلاً جريئاً عن امكانية اعلان موت الورق كما سبق اعلان موت المؤلف، وشارك في التعليق الدكتور الشوادفي علام الذي اثار عدة أسئلة متعلقة بالتحول من النشر الورقي لنشر الالكتروني والنتائج المترتبة على هذا التحول خاصة مدى أخلاقية الرقابة وحدودها والنتائج المترتبة عن التغاضي عن الرقابة سلباً وايجاباً، ثم تحدث الدكتور محمود إبراهيم فرج أستاذ الصحة النفسية الذي تناول أهمية اقامة علاقة ألفة مع التقنية خاصة الحاسب الآلي ومراعاة التأثيرات التربوية لهذه العلاقة لدعم الايجابيات وعلاج السلبيات، ثم تحدث الدكتور عهدي السيسي متسائلاً عن طبيعة المتغيرات الثقافية الناشئة عن سطوة التكنولوجيا على الحياة، وهل ستجعل حياتنا أفضل أم أكثر صعوبة خاصة مع وجود مؤثرات أخلاقية تحتاج للوقوف أمامها، وعلق سالم الثنيان الصحفي بجريدة الوفاق الالكترونية قائلاً أن النشر الالكتروني يفتح آفاقاً غير محدودة أمام تداول المعرفة، ويطرح في نفس الوقت أسئلة جديدة في كل لحظة بحكم التطور شديد السرعة في تقنية المعلومات مما يستلزم وجود آلية لتنمية المعرفة بالمستجدات في هذا المجال الحيوي حتى لا نتخلف عن العالم، وأكد الشاعر والكاتب عبدالرحمن الحمد على هذه المفاهيم طارحاً عدة تساؤلات عن الاجراءات المطلوب اتخاذها لعبور الفجوة الرقمية بين العالم العربي والثقافات المتقدمة في هذا المجال مؤكداً حاجة الثقافة العربية إلى كافة الوسائل والتقنيات التي تساهم في نشر المعرفة والثقافة لدعم التطور في مجتمعاتنا مؤكداً على أهمية حرية تداول المعلومات واتاحتها. ثم تحدث عبدالعزيز العيادة الصحفي بجريدة الجزيرة مرحباً باعضاء نادي القصة في المركز الثقافي الإعلامي وقال في مشاركته ان المشاكل العديدة التي تواجه النشر الورقي أو الالكتروني يجب ألا تقف عائقاً أمام التطوير، وأن وجود آلية جديدة أو أكثر تساهم في نشر المعرفة هي مكسب ثقافي، وأن المشاكل التي تواجه المثقفين يجب ألا تكون حائلاً بينهم وبين السعي لتنمية المعرفة وتطوير آلياتها، ثم دار حوار ساخن في نهاية الندوة بين الدكتور الشنطي وأحمد إبراهيم حيث أبدى الشنطي عدم رضاه عن اللغة المتشائمة الحدية التي طرح بها أحمد إبراهيم المشاكل التي تواجه الثقافة العربية، واعتبر نظرته مغرقة في التشاؤم وجلد الذات وأنه إذا كانت هناك مشكلات تواجه الثقافة العربية الرقمية فتجاوزها ممكن وليس مستحيلاً، ورد أحمد إبراهيم بأنه لا يستطيع إلا احترام وجهة النظر هذه وإن كان يختلف معها بقوة حيث أن المسألة من وجهة نظره أعمق من كونها جلداً للذات أو التشاؤم وانها تمثل مأزقاً ضخماً تواجهه الثقافة العربية في عالم أكمل تحوله من العالم الصناعي إلى عالم المعلومات، وأن الهوة الثقافية التي تفصل العالم العربي عن مجتمع المعلومات العالمي تنمو على هيئة متوالية هندسية، ويحتاج ردم هذه الفجوة إلى جهود ضخمة ومؤسسية لا يبدو في الأفق منها شيء.