هناك حرب من نوع خاص تجري بين أمريكا، ودول آسيا الكبرى، الصين، والهند، وهذه الحرب ليست حشد البوارج، والقواعد المتحركة في البحر، أو القابعة بالبر، بل بسياسة الأطواق التي تحاول كل دولة فرضها على الأخرى.. فأمريكا تريد أن يتسع حلف الأطلسي إلى حدود روسيا، وتضع قوائم لمناطق نفوذ جديدة سواء كانت لديها مكتشفات للنفط، والمعادن الأخرى، أو المواقع الاستراتيجية العسكرية القادرة على فرض هيمنتها، والهدف ليست الدول الخارجة عن القانون، وإنما الدولتان القادمتان إلى العالم باحتلال مراكز متقدمة في الاقتصاد، والتكنولوجيا، ومن ثم القوة العسكرية، ومن هنا جاء اهتمام أمريكا برسم استراتيجية بعيدة المدى تجاه آسيا، أكثر خطورة من الأطواق بالقواعد العسكرية التي أقامتها ضد الاتحاد السوفياتي قبل غزو الفضاء.. الصين من جانبها، لم تقف في الصف الخلفي، بل جاءت للحديقة الخلفية الأمريكية بأن أرست استثمارات ضخمة في البرازيل، ودول أمريكا الجنوبية الأخرى، وعقدت صفقات نفط مع إيرانوروسيا، وكادت توقع اتفاقية مع السودان في دارفور الغنية بالنفط والمعادن عندما قيل إن إنذارات أمريكا وبريطانيا بالتدخل بالإقليم ليس سببها الحرب الدائرة، وإنقاذ السودانيين، وإنما من الخوف أن تكون الصين الضلع الآخر في دخول البوابة العربية، والأفريقية.. الهند أيضاً بدأت تحفز شركاتها بأن تستثمر في البرمجيات وإدارة أعمال أمريكية وأوروبية بواسطة علمائها، وعمالتها الماهرة والرخيصة في التقنيات الحديثة من داخل الهند، إضافة إلى مد شرايين لبلدان أخرى في خلق سياسات تعلن قدومها للعالم بقوة تضيف إلى الصين مبارزاً على الأسواق الخارجية، وبناء علاقات أكثر تطوراً من الغرب.. قطعاً هذا الحراك الدولي الجديد لا يناسب الغرب، لكنه لا يستطيع قهره أو إيقافه، إلا ببديل مضاد كالسيطرة على منابع النفط، وتعويم الدولار، وحشد قوى أخرى يرعبها أن تصبح آسيا العملاق القادم، لكن سياسة الأطواق المتبادلة قد تجعل السباق محموماً لأن النمو السريع للهند والصين، والخوف من تلاحم الدول الآسيوية العملاقة كاليابان وكوريا، والتنانين الأخرى، يمكنه أن يمهد لتجمع اقتصادي يفوق الغرب برمته، ومن هذا المنظور تأتي الحرب القادمة كأمر تفرضه علاقات دولية غير متجانسة، وحتى روسيا التي ظلت المريض بين هذه الدول، أصبحت تلعب دوراً آخر، ربما أكثر صراحة في الحصول على قسمتها من العوالم التي تحالفت معها في الفترة السوفياتية، سواء من خلال نفوذ قوتها العسكرية ومصانعها القابلة للتصدير، أو مخزونها النفطي، وحوارها الجاد مع القوى الآسيوية، وقطعاً فإن هذه الدورة من الصراعات القادمة، سوف تكون البديل الحقيقي لشعار صراع الحضارات، أمام صراع القارات..