وفرت زيارة وزير الخارجية البريطاني جاك سترو، وهي الزيارة الأولى للبنان لمسؤول بريطاني رفيع منذ سبع سنوات، دفعا ايجابيا لا بأس به للوضع الحكومي وللبنان على خلفية التداعيات التي احدثها اغتيال النائب والصحافي جبران تويني في 12 من الشهر المنصرم والتي ادت الى احباط كبير لدى الرأي العام اللبناني.. وقد حرص سترو في التصريحات التي ادلى بها بعد لقائه رئيس الحكومة فؤاد السنيورة امس الأول ثم بعد لقائه المسؤولين الروحيين لدى الطوائف من ان سنة 2006 ستشهد سلاماً في لبنان ومن ان بلاده ملتزمة جنبا الى جنب مع المجتمع الدولي مساعدة لبنان لأن يكون دولة سيدة ومستقلة مشددا على وجوب ان يتم تبادل ديبلوماسي بين لبنان وسوريا على ايصال رسالة قوية بهذا المعنى للبنانيين. وقد جاءت هذه الزيارة مع عودة السفير الأمريكي جفري فلتمان الى بيروت من واشنطن حيث حرص بدوره في اللقاءات التي عقدها مع بعض المسؤولين على تأكيد ان الشراكة بين لبنان والمجتمع الدولي تستمر قريبة وقوية. وهو ما هدف منه الى طمأنة اللبنانيين ان المجتمع الدولي لم يتخل عن لبنان لكي تحصل استباحة لاستقراره وأمنه. وشدد فلتمان بدوره على ان واشنطن لا تزال قلقة من سلوك سوريا ازاء لبنان موضحا ان بلاده مصرة على تنفيذ القرارات الدولية المتعلقة به وخصوصا ما يتعلق منها بالتعاون مع التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري من دون شروط. ولعل اهم ما اضافه السفير الأمريكي ردا على المخاوف التي حاولت جهات سياسية اقليمية واخرى محلية ترويجها قبل فترة الأعياد من ان ثمة صفقة بين الولاياتالمتحدة وسوريا قد تطيح معرفة الحقيقة في جريمة اغتيال الحريري ان الولاياتالمتحدة لم تعقد ولن تعقد اي اتفاقات أو تسويات مغايرة للالتزامات اللبنانية والدولية بمعرفة الحقيقة في جريمة الاغتيال. ومن بين ما قاله سترو امام بعض من التقاهم ويكتسب اهمية في ظل الظروف الجديدة التي نشأت اخيرا بعد اغتيال تويني ثم بعد حديث النائب السابق للرئيس السوري عبد الحليم خدام ان ليس على اللبنانيين ان يخشوا الوساطات العربية الجارية في شكل خاص والتي تتم تحت عناوين انقاذ ماء الوجه للنظام السوري أو تجنيب الرئاسة السورية اي لقاء مع اللجنة الدولية للتحقيق اذ لن تأتي هذه المساعي على حساب السعي الى الحقيقة، كما نقل عن سترو. لكنه اشار الى ان ما قاله خدام يأتي متطابقا مع ما سبق ان اورده رئيس لجنة التحقيق القاضي الألماني ديتليف ميليس في تقريريه الى مجلس الأمن وقد لاحظ مجلس الأمن في جلسته الأخيرة التي ادت الى صدور القرار 1644 ان تعاون سوريا لم يكن كاملاً ولذلك هو اوصى بالتعاون الكامل في المرحلة المقبلة محذرا من اجراءات تحت الفصل السابع، وينبغي انتظار مدى التعاون السوري في المرحلة الراهنة والمقبلة قبل الوصول الى استنتاجات نهائية مسجلا ايجابية في خطوة قبول سوريا الاستماع الى وزير خارجيتها فاروق الشرع. ونقل سياسيون التقوا سترو عنه عدم قلقه مما يراه كثيرون عرقلة روسية محتملة للمسار الدولي في التحقيق اذ ان سوريا ترى الصورة بوضوح وان تعاونها كان بناء حتى الآن على رغم انه لا يمكن تجاهل العلاقات القديمة القائمة بين روسيا وسوريا والتي تعود الى ايام الحرب الباردة وربما الى ما قبلها. في مقابل هذا الدفع الدولي المتجدد للبنان، انشغل اللبنانيون بترقب مسألتين احداهما حديث جديد لخدام الى محطة (السي. ان. ان) الأمريكية يفترض ان يبث اليوم. وقد سعت اوساط سياسية كثيرة لمعرفة ما سيضيفه خدام الى ما قاله وما اذا كان سيقدم دلائل معينة على الوقائع التي ساقها في سياق روايته اللقاءات والظروف التي سبقت اغتيال الرئيس الحريري، ذلك باعتبار انه سيترتب على مضمون كلامه الكثير من التطورات في المرحلة المقبلة ان على صعيد التحقيق الدولي أو على صعيد التطورات الداخلية في سوريا واثرها على لبنان. اما المسألة الاخرى التي انشغل بها اللبنانيون فكانت مصير الأزمة الحكومية ومقاطعة الوزراء الشيعة جلسات الحكومة على رغم ان وزير الخارجية فوزي صلوخ المحسوب على فريق التحالف الشيعي حضر اللقاء الذي اجراه سترو مع الرئيس السنيورة كما استقبل هو شخصيا رئيس الديبلوماسية البريطانية في مكتبه في وزارة الخارجية. ومثار هذا التساؤل انه ورغم الكلام على ايجابيات وصلت الى حد تأكيد نهاية الأزمة، فان مصادر وزارية افادت «الرياض» ان ثمة اوراقا لا تزال قيد التبادل بين فريق الاكثرية وفريق التحالف الشيعي وان الأزمة لم تنته فعلا خصوصا ان بيانا اصدره المجلس الشيعي الاعلى اثار حساسية كبيرة لدى الاكثرية النيابية بعدما اعتبر المجلس ان «انعقاد مجلس الوزراء في غياب وزراء الطائفة يشكل مخالفة صريحة لوثيقة الوفاق الوطني» مما يعني ان المجلس الشيعي يطعن بشرعية القرارات التي اتخذها مجلس الوزراء في جلستيه السابقتين اللتين عقدهما في ظل مقاطعة الوزراء الشيعة. وهو ما يسري ايضا على الجلسة التي انعقدت امس والتي كان ابرز ما على جدول اعمالها اتخاذ قرار بإعادة فتح واعتماد مكتب تمثيلي للفلسطينيين كمرحلة انتقالية قبل فتح سفارة لفلسطين في لبنان في انتظار استكمال عقد الدولة الفلسطينية علما ان ذلك يتيح للحكومة اللبنانية التحاور مع ممثلي المكتب وليس مع افرقاء وفصائل قد يتفقون أو لا يتفقون في ما بينهم. وقد انتظر فريق الأكثرية النيابية بناء على اتصال اجري مع رئيس مجلس النواب الموجود في السعودية صدور توضيح عن المجلس الشيعي في شأن ما اصدره لئلا يعيد ذلك الاحتقان الى الوضع بين الافرقاء في الحكومة.