حاولت الولاياتالمتحدة اصطياد عدة عصافير بحجر واحد إبان زيارة كونداليزا رايس إلى أوكرانيا والتي يمكن اعتبارها الزيارة الأهم من حيث نتائجها في إطار جولتها الأوربية فحوى وآفاقا مؤكدة منذ البداية ان سحب القوات الأوكرانية من العراق لن يؤثر على العلاقات الإيجابية بين البلدين. فقد حرصت رايس على أن تكون نشاطاتها متنوعة الأغراض من خلال اللقاءات مع القيادات الأوكرانية الفاعلة السلطوية وغير السلطوية. كما سعت رايس إلى إظهار دعم واشنطن لكييف في العديد من المحاور ذات الطابع الدولي من أهمها: تسهيل السبل أمام أوكرانيا للحصول على عضوية منظمة التجارة العالمية ولهذا الغرض ستقوم وزارة التجارة الأمريكية بإعداد الوثائق اللازمة لاعتبار أوكرانيا بلدا ذا اقتصاد سوق وقد نوهت رايس بعدم وجود أية خلافات بين كييف وواشنطن في هذا المجال. الإسراع في تذليل المعيقات وفتح المجال عمليا لقبول أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي وخاصة بعد قبول أوكرانيا في مجلس وزراء دفاع بلدان جنوب شرقي أوربا (والتي تضم إيطاليا وتركيا وبلغاريا واليونان ورومانيا ومقدونيا وسلوفانيا وكرواتيا) مما يعتبر خطوة عملية أولية للوصول إلى بوابة الناتو. المساعدة في تسهيل قبول أوكرانيا في عضوية الاتحاد الأوربي من خلال تكريس خطوات تقاربية وبرامج عديدة للتعاون الوثيق الذي يسهل هذا الانضمام. وتعتبر هذه الاتجاهات بنفس الوقت رسالة توضيحية لموسكو تعلن من خلالها أن واشنطن تبني علاقة شراكة وطيدة واسعة المدى مع أوكرانيا وعلى روسيا أن تفهم ذلك وتخفف من المشاحنات مع كييف (يرى العديد من المعلقين أن كييف نفسها تصعد المشاحنات مع روسيا نتيجة إحساسها بالدعم الأمريكي الغربي الواسع لها). ومما له دلالته في هذا السياق أن رايس لم تنس انتقاد موسكو بشأن إقرار البرلمان لقانون يفرض رقابة مشددة على نشاط المنظمات والمؤسسات غير الحكومية ممتدحة في نفس الوقت القيادة الأوكرانية بالمقابل على توسيع فعالية المجتمع المدني وأكدت عزم الولاياتالمتحدة متابعة مساعدتها لأوكرانيا حتى في المجالات الاقتصادية المتنوعة بما في ذلك دراسة مشاريع ومخططات تتيح للبيزنس الأمريكي توسيع استثماراته وخاصة في مجال الطاقة مما يفتح بابا لتساؤلات عديدة حول فحوى وطبيعة هذه المشاريع والمخططات الحكومية بهذا الصدد على خلفية التنافر الحاد بين موسكو وكييف بشأن توريد الغاز إلى أوكرانيا وعبرها نحو أوربا ناهيك عن فتح باب التعاون على مصراعيه في مجال الفضاء الخارجي حيث سيزور العاصمة الأوكرانية لهذا الغرض ممثلو قيادة (ناسا) مطلع العام القادم. وتعتقد بعض التعليقات أن الولاياتالمتحدة أرادت بهذه الإعلانات أن تعبر عن امتعاضها بشأن صفقة منظومات الصواريخ الروسية إلى إيران مما دفع بوزير الدفاع الروسي سيرغي إيفانوف إلى الرد بأن هذه الصفقة قانونية تماما حتى وإن لم تعجب البعض مضيفا بأن روسيا أيضا غير مرتاحة لهذا التصرف أو ذاك من الجهات التي تعبر عن امتعاضها تجاه تصرفات روسيا. المهمة الموازية الأخرى لرايس هي استقراء الواقع السياسي الداخلي وحقيقة تأثير القوى التي ستخوض المعركة الانتخابية البرلمانية خلال أشهر معدودة ومدى تأييد البرلمان الجديد ليوشينكو وبالتالي تعميق أو تعديل السياسة الخارجية تجاه النظام القادم خاصة أن أوكرانيا ستغدو بعد هذه الانتخابات جمهورية برلمانية - رئاسية من هنا حرصت رايس على اللقاء (بالحليفة المعارضة) يوليا تيموشينكو في حوار مسهب عن الديمقراطية والمخاطر التي تتعرض لها في العالم وأهمية توثيق عراها في أوكرانيا مما أدى إلى تأخير موعد لقائها بوزير الخارجية الأوكراني واختتمت مباحثاتها مع تيموشينكو بتوجيه دعوة لها لزيارة واشنطن في الوقت الذي تراه هي مناسبا وفي ذلك إشارة إلى حرص واشنطن على إبقاء جميع الخيوط متواصلة للاحتمالات القادمة. الجانب الآخر والهام حتى بسيكولوجيا هو استعراض فعالية السياسة الخارجية الأمريكية بعد الإشكالات الكبيرة التي واجهتها الإدارة الأمريكية بشأن سجون الاستخبارات الأمريكية والتحليقات الجوية السرية في عدد من الدول الأوربية لنقل السجناء والتي انعكست تشظياتها على جولة رايس في أوربا وبإظهار نجاح الزيارة إلى كييف تكون قد غطت على تلك المنغصات التي لم تستطع مواجهتها بالشكل المقنع أوربيا.