كثيراً ما نتحدث عن مفهوم الإحسان ونشرحه ولكن ليس دائماً يتم تطبيقه بما ينص عليه وهو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.. وهو وسيلتنا لسمو النفس والصدق مع الخالق قبل الذات ثم المخلوق.. وكيف يمكن أن يترجم في سلوكياتنا وتفاعلاتنا مع الآخرين حولنا.. ولقد مرت بي تجربة مع مجموعة من طالباتي قبل أعوام عديدة أن سألتهن في نهاية أيام المحاضرات وقد تم في تلك المحاضرات غرس بعض القيم ذات العلاقة بمادة علم اجتماع اقتصادي.. السؤال لم يكن مرتبطاً بشكل مباشر بالمادة ولكن كان حول موقف كل واحدة منهن إذا ما تم في يوم ما من حياتهن القادمة أن تعارض المبدأ الذي تؤمن به وهو بالطبع من مبادئ وقيم ديننا الحنيف من الصدق والعدل والشفافية والإخلاص.. إلخ إذا ما تعارض مع أي مبدأ تؤمن به مع ظروف عملية قد تفرض عليها أو ممارسات وظيفية تجبرها على أن تختار إما المبدأ وسموه أو الانصياع مع الواقع مهما كان براقاً ومضيئاً فأيهما ستختار؟ بالطبع السؤال كان يحمل البعد المستقبلي لموقف قد تمر به هذه الطالبة.. ولكنه سيوضح مدى تشربهن لمفهوم (المبدأ) المستمد من تشريع أو سنن نبوية ويتسم به الإنسان المسلم كما هو مفروض.. . من ذلك العدد الذي كان حينها لا يتجاوز الخمسة والعشرين فقط لأن المادة وقتها كانت (اختيارية) ..من ذلك العدد اثنتان أو ثلاثة فقط هي اللاتي اخترن التضحية بالفرصة أو المال أو المركز مقابل الحفاظ على (المبدأ).. رغم مفاجأتي لهذا الرد إلا أننى تفاءلت أن هناك - على الأقل - من رفض (المساومة على المبدأ).. وتمر السنوات بعد تخرج هذه المجموعة وكن يتواصلن معي أحياناً وأحياناً.. وبعد مدة اتصلت بي احدى الفتيات الثلاث اللاتي رفضن المساومة على المبدأ.. لتفيدني أنها مرت بموقف اعتسافي من قبل مديرة الجمعية التي كانت تعمل بها عندما طلبت منها ومن زميلة لها بأن (تشهدا زوراً) تجاه موقف إداري خاطئ من قبلها وكانت ستحاسب عليه في ذلك الوقت وعلمت أنهن سيستجوبن الموظفات كشاهدات.. فأحضرتهن كل واحدة على انفراد وأغرتهن بأن ترشحهن مساعدات لها بدلاً من كونهن موظفات صغيرات في التسلسل الإداري.. بالطبع هذا الترشيح هو في الواقع (رشوة وظيفية عينية)!! مقابل ادعائهن عكس ما حدث من موقف سيدينها!! تقول لي تلك الموظفة التي كانت احدى طالبات تلك المادة: (عندما سمعتها تتحدث معي وتغريني بالمنصب والزيادة في الراتب مقابل ادعائنا كذباً أنا وزميلاتي وتبرئتها، مر في ذهني ذلك الموقف الذي ناقشتِنا فيه عن عدم المساومة على المبدأ وعدم التنازل عنه مقابل أي فرص أو اغراء.. لأن في ذلك التنازل تنازلاً عن (مصداقية الذات المسلمة وضميرها الحي وبالطبع الوازع الديني لديها الذي هو الضوء الذي ينير الطريق في الظلمة) تقول ما معناه كانت لحظة مشحونة عاطفياً ولكن في الوقت نفسه إعلاء للذات المسلمة ولضميرنا الحي.. فانتصر الحق ولم نساوم على المبدأ ورفضنا عروضها!! هي لم تتوقع ذلك بل كانت تتصور العكس!! وأذكر أنني حينها حمدت الله وسجدت له شاكرة أن غرسنا للقيم في تربة خصبة أثمر صدقاً وثباتاً وثبوتاً ولله الحمد.. اليوم هذه الموظفة هي الآن مديرة ناجحة لهذه المؤسسة والذي احتلته بناء على إخلاصها وجدها وصدقها وليس تنازلها عن مبادئ الحق ذلك أن مفهوم الإحسان تجلى لديها في قمة تطبيقه.. ٭٭ منذ أيام تلقيت مكالمة من شخص يقوم بدور (شاهد الزور) لمؤسسة ما كي يحميها من قرار سيطبق إن شاء الله في حقها من (ديوان المظالم) تم إغراؤه بسفر وربما بوظيفة (لاحقا) إلى أن يصدر القرار وأتوقع أنهم سيقذفون به خارج هذه الدوائر التي يغرونه بها آلان لأن (شاهد الزور) يظل شاهده للزور!! ولا يستحق الاحترام في هذه الحياة وبالطبع عقابة في الآخرة أشد وأعظم.. لهذا الشاب ولمن مثله ممن يتنازلون عن الدفاع عن حقوقهم بمصداقية وثبات وقول الحق كيف يمكن لهم أن يقطعوا مشوار حياتهم عندما يبدأونه بالكذب والتدليس؟؟ هل ضعف الوازع الديني لديهم؟؟ والسؤال لهذه المؤسسة التي تغريهم بالكذب وشهادة الزور إلى أي منحدر ينحدرون؟؟ ٭٭ جميعنا إن لم يكن أغلبنا يحفظ الحديث الشريف الذي تحتويه مقررات كتب الحديث في مناهجنا والذي يوضح فيه ابن عباس رضي الله عنهما كيف تلقى الدروس الأولى في ضبط السلوك وتقوية الوازع الديني حيث إنه كان خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا غلام إني أعلمك كلمات؛ احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف.. هذا الحديث هو تعليم لكيفية الانضباط السلوكي والذهني وتقوية الوازع الديني.. فكيف يمكن لنا أن نسهم في تطبيقه في ثنايا مجتمعاتنا اليوم؟؟ إنه (مسؤولية الجميع)!!