أنهى الاتحاد الاوروبي عام 2005 برسالة أكثر تفاؤلا عما هو متوقع حيث توصل القادة إلى اتفاق في اللحظة الاخيرة بشأن الميزانية في الساعات الاولى من صباح 17 كانون أول - ديسمبر الجاري لينهوا بذلك أشهرا من التوتر والنزاع بين دول الاتحاد الخمس والعشرين. وقد أنهى اتفاق الميزانية الازمة التي خيمت على الكتلة الاوروبية منذ رفض الناخبين الفرنسيين والهولنديين للدستور الاوروبي الجديد الصيف الماضي وتوقف المفاوضات بشأن الميزانية الجديدة في حزيران - يونيو الماضي. لكن العام المقبل سيأتي بتحديات جديدة حيث يسعى القادة إلى إحياء جهود كسب الدعم الشعبي للدستور وتسريع مفاوضات انضمام تركيا وكرواتيا للاتحاد الاوروبي. ومع الاعتراف بترشيح مقدونيا لعضوية الاتحاد الاوروبي فستلقي العلاقات بين بروكسل ودول البلقان الغربية بظلالها على أجندة الاتحاد خلال العام المقبل. ومع انتقال رئاسة الاتحاد الاوروبي من بريطانيا إلى النمسا في الاول من شهر كانون ثان (يناير) المقبل وبعد ذلك إلى فنلندا في النصف الثاني من عام 2006 فإن الارتياح الملموس في التوصل إلى اتفاق بشأن الميزانية التي تقدر بنحو 862 مليار يورو في قمة بروكسل يشوبه اعتراف متزايد بأنه ينبغي على الاتحاد الاوروبي تجنب سيناريوهات مالية محتدمة مشابهة في المستقبل. ويقود رئيس المفوضية الاوروبية جوزيه مانويل باروسو الدعوة إلى إعادة النظر في كيفية اتفاق الاتحاد الاوروبي على سياساته المالية المشتركة ومنها اقتراحات بأن تطبق الكتلة الاوروبية ضريبة مشتركة لجمع أموال للانفاق المشترك. وقال باروسو للصحفيين بعد الاتفاق على الميزانية في قمة بروكسل إن «الطرق التي استخدمت للتفاوض بشأن الميزانية ليست جيدة وإنني مقتنع تماما بأنه ليس بامكاننا الاستمرار على هذا المنوال.. إننا بحاجة إلى مراجعة منتظمة للميزانية بدون قيود أو محظورات». ومن الافكار المطروحة وضع نظام ضريبي للاتحاد الاوروبي على الصفقات المالية الدولية والطاقة أو انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بالاضافة إلى التبغ والكحول. وستستخدم أموال هذه الضرائب في تمويل ميزانية الاتحاد الاوروبي. لكن عدة دول أبرزها بريطانيا تعارض الاسهام في ميزانية الاتحاد عبر ضرائب أوروبية مباشرة وهو ما يحول دون تطبيق الاقتراح الذي لا يمكن تنفيذه إلا بإجماع دول الاتحاد. وعلاوة على إنهاء الشكوك بشأن المستقبل المالي للاتحاد الاوروبي المالي على المدى البعيد فقد أنهت اتفاقية الميزانية أيضا الخلافات بين اللاعبين الاساسيين في الكتلة الاوروبية. ورحب صناع السياسة في بروكسل بإنعاش «القاطرة» الفرنسية الالمانية لتحقيق التكامل الاوروبي وهو ما ظهر خلال قمة بروكسل في صورة التعاون بين المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي جاك شيراك. واستخدمت ميركل بعد شهر من توليها مقاليد السلطة في ألمانيا اجتماع بروكسل بمهارة لتعزيز موقفها على الصعيد الاوروبي والظهور كواحدة من الشخصيات السياسية البارزة في الاتحاد. ويقول دبلوماسيون في بروكسل إن ميركل لعبت دورا رئيسيا في التوصل إلى اتفاق بشأن تمويل الاتحاد الاوروبي بالمساعدة في تضييق الخلافات بين بلير وشيراك بشأن الميزانية. وأحيت ميركل النقاش بشأن مستقبل الدستور الاوروبي عندما ذكرت إنه سيكون إحدى أولوياتها عندما تتولى برلين رئاسة الاتحاد الاوروبي في النصف الاول من عام 2007. وألقت تصريحات ميركل بعبء ثقيل على عاتق النمسا وفنلندا حيث سيتعين عليهما خلال فترة توليهما رئاسة الاتحاد في 2006 بناء دعم شعبي للمعاهدة. وقالت النمسا إنها ستقدم تقريرا بشأن مستقبل أوروبا لقمة الاتحاد الاوروبي المقررة في حزيران - يونيو العام المقبل. وقالت وزيرة خارجية النمسا اورسولا بلاسنيك إن المؤتمر الخاص الذي سيعقد في كانون ثان (يناير) المقبل سيركز على «تساؤلات بشأن الهوية والتنوع والطريقة التي ينظر بها سكان أوروبا إلى أنفسهم». وستظل مسألة توسيع الاتحاد الاوروبي تشكل قضية رئيسية في عام 2006 مع تسريع وتيرة مفاوضات العضوية مع تركيا وكرواتيا. وحصلت مقدونيا كذلك على اعتراف بأنها من الدول المرشحة لعضوية الاتحاد رغم عدم تحديد موعد نهائي لبدء المفاوضات معها. لكن القرار يشكل إشارة لدول البلقان الاخرى بأن حصولها على عضوية الاتحاد مستقبلا ما زال مطروحا على جدول أعماله. وستبقى العلاقات مع إيران والشرق الاوسط من التحديات السياسية الرئيسية التي تواجه الاتحاد خلال معظم عام 2006. ومن المتوقع أن تتواصل المساعي الدبلوماسية الاوروبية مع إيران خلال الاشهر المقبلة حيث ستواصل دول الترويكا الاوروبية والتي تضم ألمانيا وفرنسا وبريطانيا جهودها لاقناع طهران بالتخلي عن طموحاتها النووية مقابل منافع أوروبية في مجال التجارة والمساعدات. ومن ناحية أخرى فإن قرار الاتحاد الاوروبي الاخير لنشر مراقبين على حدود رفح بين غزة ومصر وفي أتشيه بإندونيسيا يلقي الضوء على الدور العالمي المتنامي للاتحاد الاوروبي والانتشار السريع لسياساته الامنية والدفاعية.