مع الوثبة النوعية التي شهدناها فيما يتعلق بالشفافية والحوار ومواكبة الحدث بقدر كبير من الوضوح، كان من المفترض أن تشهد المؤتمرات الصحفية قفزة نوعية في مستوى التمثيل من قبل وسائل الإعلام بحيث يرقى حضور أي مؤتمر صحفي إلى مستوى وضوح وتجاوب المسؤول، لكن ذلك لم يحدث حتى اليوم من قبل كثير من وسائل الإعلام المحلية المقروءة والمسموعة والمرئية. كان المؤتمر الصحفي في أيام خلت أشبه ببيان صحفي أو جملة خبرية يريد المتحدث من المؤتمر الصحفي ايصالها، وكان هامش التساؤل واثارة أي موضوع آخر ضيق جداً ناهيك عن فرصة طرح أسئلة حساسة، ولذا فقد كان من المقبول أن تخفض الصحف من تمثيلها في المؤتمر وترسل مراسلاً لا يتوقع منه أكثر من حمل جهاز التسجيل وبعض الأوراق المصورة التي تحوي معلومات تريد الجهة الحكومية ايصالها وحسب. تلك المرحلة شهدت الكثير من الاساءات للصحافة نفسها والتندر على بعض المراسلين ممن لديه الجرأة على السؤال لكن ليس لديه الالمام بما يسأل عنه ولم يبذل جهداً يذكر للتحضير للمؤتمر الصحفي. كانت أعصاب المسؤول قبل وأثناء المؤتمر الصحفي لا تعاني من أي قلق لأنه يعلم أن أحداً لن يفاجئه بسؤال محرج أو نبش في عمق مسؤولياته فحضور المؤتمر ليسوا أكثر من مستمعين يحملون مسجلات. اليوم يفترض بالإعلام أن يتواكب مع ما نشهده من انفتاح وشفافية ووضوح ومرونة في تقبل سؤال الآخر، فيبادر إلى الرفع من مستوى تمثيله في المؤتمرات الصحفية والمناسبات التي يعقبها سؤال وجواب. رفع مستوى التمثيل لا يعني بالضرورة أن يكون مندوب الوسيلة الإعلامية ممن يشغلون منصباً في إدارة التحرير وإنما ممن يمتلكون خلفية عميقة عن الموضوع والماماً شاملاً بأبعاده والأطراف ذات العلاقة إلى حد لا يجعل سؤاله مجرد استفهام وإنما اضافة وفتح ملفات. نريد من مندوب الصحيفة أن ينقل تساؤلات المواطن والمقيم وأن يعود بما يزيل شكوكهم، ويوقف اجتهاداتهم وتوقعاتهم واشاعاتهم. نريد منه أن يفتح الملف الذي يتمنى الموظفون لدى ذلك المسؤول فتحه، لكنهم لا يستطيعون، لا أن يكون دوره أن يفتح الطريق للمسؤول لأن يعلن عن ذاته وانجازاته. وأخيراً دعوني أقول أن (البشت) أو المشلح لباس رسمي نفخر بارتدائه في المناسبات الرسمية ذات الهدوء والحركة القليلة جداً والدبلوماسية والأناقة والصحفي عندما يمثل مهنته ويمارسها ميدانياً بالطريقة الصحيحة يفترض فيه أن يكون سريع الحركة متجرداً من المجاملة لا يأبه بهندامه وشكله بقدر ما يهمه مضمونه، وبالتالي فإن ارتداءه للبشت أثناء أداء مهمته ليس له غير دلالة واحدة.. هي أنه يريد للصحافة أن تقدمه لا أن يقدمها.