يصل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة اليوم السبت إلى الجزائر وسط فرحة شعبية كبيرة بتماثله للشفاء، سبقت مجيئه في عدد من ولايات القطر، حيث خرج عشرات من المواطنين أمس الجمعة في مظاهر احتفالية رددوا فيها عبارات الحمد بتعافي الرئيس وعودته سالما إلى مهامه الرئاسية. وبعودته إلى الوطن يكون الرئيس الجزائري قد أنهى رحلة علاج دامت 35 يوما، بدأها صبيحة 26 نوفمبر - تشرين الثاني عند نقله على نحو عاجل إلى المستشفى العسكري «فال دوغراس»، حيث قضى 20 يوما، أجرى خلالها عملية جراحية لعلاج قرحة نزيفية في المعدة، قبل أن يمدد بوتفليقة (68 عاما) فترة بقائه في العاصمة الفرنسية، بعد أن نصحه الأطباء بقيادة طبيبه الخاص البروفيسور مسعود زيتوني بتمضية فترة من الراحة الصارمة قبل استئناف مهامه بشكل عادي. وسيعمد الرئيس بوتفليقة اليوم مباشرة بعد وصوله قصر المرادية، وفي أول ما يباشر به مهامه الرئاسية بعد غياب دام أربعة أسابيع كاملة عن البلاد، إلى التوقيع على قانون المالية 2006، مثلما يجري العمل به كل سنة، وهذا ما أكدته وكالة الأنباء الجزائرية استنادا إلى متحدث رسمي باسم الرئاسة الجزائرية، وكانت مسألة التوقيع على هذا القانون، الذي ليس لغير الرئيس بوتفليقة دستوريا حق التوقيع عليه، النقطة الوحيدة التي كانت تلزم على الرئيس الجزائري العودة إلى الوطن قبل الفاتح جانفي / يناير، احتكاما للمادة 126 من الدستور التي تنص على إصدار «رئيس الجمهورية القانون في أجل 30 يوما ابتداء من تاريخ تسلمه إياه». وتنتظر الرئيس بوتفليقة مواعيد دولية هامة، بعد توقيعه محليا على قانون المالية، وقال عبد العزيز بلخادم الممثل الشخصي للرئيس بوتفليقة، في تصريح ل «الرياض» بشأن أول موعد رسمي يدشن به الرئيس الجزائري عودته إلى الساحة الدولية، بعد مشاركته في قمة المعلوماتية في تونس، أنه سيحضر أشغال قمة الاتحاد الإفريقي التي ستجري بالخرطوم في 23 يناير/ كانون الثاني، وأنه سيشارك في قمة جامعة الدول العربية بنفس المكان في مارس / آذار المقبل. وأضاف بلخادم أن الرئيس بوتفليقة ينتظره موعد آخر لا يقل أهمية عن هذين الموعدين، حيث يستقبل مطلع شهر فيفري / شباط المقبل، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي سيقوم بزيارة دولة إلى الجزائر بدعوة من الرئيس بوتفليقة، الذي حال مرضه دون أن يشارك في احتفالات مسار برشلونة الأورومتوسطي التي جرت في نوفمبر الماضي، وهو الموعد الذي كان من المفروض أن يلتقي بوتفليقة على هامشه بالرئيس الفرنسي جاك شيراك، فضلا عن إلغائه اجتماعا مع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، الذي كان مرتقبا منتصف شهر ديسمبر في لندن. ولعل أهم ما سيثير مشاعر الفرح في أوساط المواطنين في الجزائر، تردد أنباء تداولتها بعض الأوساط الإعلامية، عن توجه الرئيس بوتفليقة يوم 5 يناير المقبل إلى البقاع المقدسة لأداء فريضة الحج، مرفوقا بوفد هام من المسؤولين الحكوميين ورؤساء الأحزاب وبعض الإعلاميين، وهو ما سيكون لا محالة حدثا سعيدا بالنسبة للجزائريين باعتباره الأول من نوعه في حياة الرئيس بوتفليقة المليئة بالأحداث والترحال السياسي منذ أن كان وزيرا وعمره لا يتجاوز 25 ربيعا، هذا علما أن هذه «الخرجة الروحية» ستكون الثانية لرئيس جزائري، بعد أن قام الرئيس السابق «الشاذلي بن جديد» بحجّ بيت الله الحرام أواسط الثمانينات. ولقد أحاطت الوعكة الصحية للرئيس بوتفليقة، إشاعات كثيرة، خلخلت التعاطي الرسمي مع المرض، واتهمت أوساط إعلامية وحزبية السلطة بسوء تسيير ملف مرض الرئيس، ما فتح المجال واسعا أمام المزايدات والإجتهادات والتأويلات الخاطئة، ولم يسترح الشارع الجزائري من ضغط الإشاعات، التي ذهبت إلى حد القول أن الرئيس مصاب بسرطان، فيما راحت جهات تنسج سيناريوهات مرحلة ما بعد موت بوتفليقة، إلاّ بعدما ظهر الرئيس لأول مرة على شاشة التلفزيون في 17 ديسمبر، أي بعد 21 يوما من دخوله المستشفى، في حين لم يتم الكشف عن مرضه إلاّ بعد 12 يوما بعد نقله على جناح السرعة من مستشفى عين النعجة العسكري بالجزائر، إلى مستشفى فال دوغراس بباريس، حيث كشفت نشرة طبية وقعها طبيبه الخاص البروفيسور مسعود زيتوني، إصابة بوتفليقة بقرحة نزيفية في المعدة استدعت خضوعه لعلاج جراحي دقيق. ودفع تنامي سطوة الإشاعة، برئيس الحكومة الجزائرية أحمد أويحي، إلى فتح النار على بعض قنوات الإعلام الأجنبي، التي وقعت رهينة المبالغة والتهويل والإثارة متهما إياها، دون أن يسميها ب«ترويج إشاعات مجنونة»، وفيما يشبه الرد على الانتقادات التي اتهمت السلطة بالإخفاق في تسيير ملف مرض الرئيس، قال أويحيى في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية، أنه «ليس هناك ما تخفيه السلطات في هذا الشأن» وهو نفس ما حرص بوتفليقة على التأكيد عليه عندما قال وهو يتوجه إلى الجزائريين عبر شاشة التلفزيون «ليس هناك ما أخفيه عليكم» لكنه «قضاء الله ولا حيلة مع الله». هذا ونذكر أن بوتفليقة من مواليد العام 1937، بولاية تلسمان (550 كلم أقصى الغرب الجزائري) على الحدود مع الممكلة المغربية، درس الفلسفة والتحق مبكرا بالعمل النضالي للدفاع عن القضية الجزائرية، ما دفعه إلى قطع دراسته والالتحاق بصفوف جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير وهو شاب يافع لم يتجاوز عمرة 16 سنة. في سبتمبر / أيلول من العام 1962، وبعد استقلال الجزائر بثلاثة أشهر فقط، عيّن بوتفليقة على راس وزارة الشباب والسياحة، في أول حكومة في عهد الجزائر المستقلة، وعمره لم يتعد 26 سنة، قبل أن يعين بعد تسعة أشهر من بعد، في منصب سيادي هام، بتوليه حقيبة وزارة الخارجية في جوان / يونيو 1963، وهي الحقيبة التي حافظ عليها إلى غاية العام 1979، أي سنة بعد رحيل الأب الروحي لبوتفليقة، الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين العام 1978. وبعد غياب عن الجزائر لمدة فاقت العشرين سنة، عاد بوتفليقة إلى الوطن ليعتلي كرسي قصر المرادية بعد انتخابه رئيسا في استحقاقات 15 أبريل 1999، ويعاد انتخابه لولاية رئاسية ثانية في 8 أبريل 2004.