أكد الشيخ تركي بن راشد العبدالكريم خطيب جامع الشيخ عبدالعزيز الرشيد بالرياض بأن هذا البيت الحرام قاعدة التوحيد، قام عليها بناؤه ليبقى خالداً عامراً بإذن الله إلى ان يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين. تتعاقب عليه السنون، وتتابع عليه الاجيال وهو باق كما وضعه الله سبحانه وتعالى منارةً للتوحيد، ومثابةً للناس وأمناً؛ {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئاً وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود} (الحج: 26). ولقد رفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل وهما يدعوان الله: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ٭ ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمةً مسلمةً لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم} (البقرة: 127 - 128)؛ {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمناً واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ٭ رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم} (إبراهيم: 35 - 36). فاستجاب الله دعوته، وهوت القلوب الى هذا البيت العتيق، ورزق اهله من الثمرات ما كفاهم وأفاض على من سواهم، وظل بيت الله الحرام شامخاً على مر الزمن، وعناية الله تحفظ له حرمته، وتحيطه بالإجلال والإكبار على مر الدهور والاجيال. وقال الشيخ العبدالكريم ولا تزال قصة اصحاب الفيل شاهدةً على حرمة البيت وعظمته، ودليلاً على ان من استنصر بغير الله ذل، ومن لجأ إلى غيره ضل؛ {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ٭ ألم يجعل كيدهم في تظليل ٭ وأرسل عليهم طيراً أبابيل ٭ ترميهم بحجارةٍ من سجيلٍ ٭ فجعلهم كعصف مأكول} (الفيل: 1- 5). قال أحد الجاهليين حينما ارسل الله جنده على أبرهة الأشرم: أين المفر والإله الطالب والأشرم المغلوب ليس الغالب وهكذا لن يغفل الله سبحانه وتعالى عمل عمرو بن لحي الخزاعي الذي رأه النبي صلى الله عليه وسلم يجر قصبه (أمعاءه) في النار؛ جزاءً له على ما أحدث في مكة من تغيير دين إبراهيم الخليل بجلب الأوثان الى جزيرة العرب، وتسييب السوائب للاصنام. لقد كان النهج الذي شرعه الله في حرمة بيته الحرام سابقاً لكل محاولات البشر في ايجاد منطقة آمنةٍ، يلقى فيها السلاح، ويأمن فيها المتخاصمون، وتحقن فيها الدماء، ويجد فيها كل أحدٍ مأواه؛ {ومن دخله كان آمناً} (البقرة: 97)؛ {وإذ جعلنا البيت مثابةً للناس وأمناً} (البقرة: 125). وأضاف الشيخ العبدالكريم: أن أرض مكة أرض مباركة، لها ميزتها عن غيرها من أرض الله تعالى؛ اذ فيها بيت الله العتيق اول بيتٍ وضع للناس مباركاً وهدىً للعالمين، فيه آيات بينات مقام إبراهيم؛ فهي البلد الأمين، مهبط الوحي، ومؤئل الإسلام، ومهد الرسالات. ولقد وقف النبي صلى الله عليه وسلم على مشارفه وهو يودعه بعيون دامعةٍ إبان مهاجره الى المدينة قائلاً: «والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض إلى الله عز وجل، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت». (رواه الترمذي وأحمد وهو صحيح). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعةً من نهارٍ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة؛ لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها، ولا يختلى خلاه». فقال العباس: يارسول الله! إلا الإذخر؛ فإنه لقينهم ولبيوتهم. قال: «إلا الإذخر». (رواه البخاري). وقد رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل الفواسق من الدواب في الحرم بقوله: «خمس فواسق؛ يقتلن في الحل والحرم: الفأرة، والعقرب، والغراب، والحديا، والكلب العقور». (متفق عليه)؛ وفي رواية لمسلمٍ: ذكر فيها الحية، وقيد الغراب بالأبقع. ويلحق بهذه الخمس قتل الأوزاغ؛ لما ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأوزاغ.