يشهد العالم جملة من التحولات المريرة والمعقدة، حتى ليكاد التشاؤم يحضر بقوة لافتة في صميم العلاقات السائدة، حيث التوتر والقلق والخوف من المجهول، هذا الذي راح يفرض بحضوره على كل شيء، فوبيا الإرهاب يطل بملامحه على كل شيء، حتى لم يعد ثمة مكان في العالم بمنجاة عن وصول آثاره وعواقبه ونتائجه، فيما يشهد العالم جولات من التصعيد والتسخين والحذر والتشكك بكل شيء، بدءاً من طريقة النظر إلى مستوى العلاقات السائدة في المنظومات الاجتماعية، في الغرب أم الشرق، مع أهمية الأخذ بالاعتبار طبيعة المشكلات تلك التي راحت تتمثل في الغرب في تصاعد حمى الخوف من تزايد موجات الهجرات غير الشرعية لأفواج البشر الزاحفين من العالم الثالث، بحثاً عن الفرص بالحياة الرغيدة والرفاهية المأمولة في النظام الغربي، أو ما تعانيه المجتمعات الشرقية من تفاقم أوضاع الوهن والعجز بإزاء الزحف المدمدم الراعد لتفاعلات العوملة ومضاعفات المجتمع الرقمي وحضارة الديجيتال وصراع الفضائيات والستالايت، وسيادة نفوذ الشركات العابرة للقومية. ما هو المرتكز المعرفي الذي يمكن أن يقوم عليه مفهوم التحدي، هذا الأخير الذي تم توظيفه في المجال الغربي عند حدود حفز الحماس وتسخين حدة المواجهات، فيما يغيب مبحث الوعي بطبيعة مضمون التحدي والعلاقات التي تحدد مساراته الأصيلة والمستندة أساساً على مجال التحديد لمصدر التحدي ومجاله. بل أن البحث الأصيل في سياقاته الاجتماعية الثقافية الاقتصادية، يبقى يعاني من التشظي والتجزؤ، خصوصاً وأن بحث الخصوصية يبقى يدور في فلك من الموجهات والاسقاطات المباشرة التي تعكسها طبيعة التلقي الذي درج عليه المجال العربي، حيث الحفز نحو مكامن الخطر والخوف ونظرة التشكيك بهذا التلازم للتصورات والرؤى حول الخطر الداهم الذي يمثله الآخر. الاستباحات والخروقات في ثنائية الانغلاق والانزياح، تبقى مفارقات التأثر والتأثير تفرد بملامحها على طبيعة التفاعل الذي يتم داخل المجال الاجتماعي، بوصفه بنية قائمة بذاتها، تحمل سمات فرادتها وخصوصيتها وممارساتها وعلاقاتها، لكن مجالات التفعيل تبقى حاضرة في صلب المعنى، هذا بحساب أن التفصيل في طبيعة النظر إلى الحضارات والثقافات يبقى يقوم على طبيعة الفرز بين ترسيم معالم السمة الفارقة فيها حيث التقدم والتأخر، أو ما يمكن وصفه بتوسع مجالات المناشط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وحالة التوقف والبطء الذي تعاني منه البعض من المجتمعات، لتكون النتيجة بمثابة الإبراز المباشر لمجالات التأثير التي تتولاها مصدرية المتقدم على حساب المتأخر، الذي يسعى دائماً للحاق بركب الأول، ضمن جملة من الفعاليات المتنوعة والمختلفة، والتي لا تكون فقط متوقفة عند الخروقات والتسللات، بقدر ما يكون للانزياحات دورها الفاعل والأكيد، حيث بروز الضمني على حساب المباشر والعلني. ترسيم معالم السمة الفارقة فيها حيث التقدم والتأخر، أو ما يمكن وصفه بتوسع مجالات المناشط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وحالة التوقف والبطء الذي تعاني منه البعض من المجتمعات، لتكون النتيجة بمثابة الإبراز المباشر لمجالات التأثير التي تتولاها مصدرية المتقدم على حساب المتأخر، الذي يسعى دائماً للحاق بركب الأول، ضمن جملة من الفعاليات المتنوعة والمختلفة، والتي لا تكون فقط متوقفة عند الخروقات والتسللات، بقدر ما يكون للإنزياحات دورها الفاعل والأكيد، حيث بروز الضمني على حساب المباشر والعلني، انزياح لا يقوم على سيادة فكرة التغلب والهيمنة والنزوع نحو السيطرة، بقدر ما يكون مستنده محاولة التوافق مع مجمل المعطيات التي تفرضها مكونات التفاعل التاريخي، في إطار البيئة العالمية والدولية. الوعي بالموقع في الرواج الكثيف الذي تنتجه تداعيات المزدوجات في المجال العربي والتي تقوم على الاستهلاك والإنتاج الاتباع والإبداع، الخصوصيات والاختراقات، تبقى مسألة التموضع عند المسائل الشائكة والتي تدل عليها مضامين الفقد والانتهاك والاستباحات التي تتمثل في الغالب، حول وطأة القدرة على التخطي وإمكانية التحكم بالممارسة والفعل، تلك التي تمنحها سعة القدرة على التفعيل، فيما تشير المقارنة المباشرة، إلى بروز مضامين عامة وشاملة تستدعي المزيد من الجهد نحو الوقوف على تفصيلاتها ومتعلقاتها وتأثيراتها الناشبة في صلب الواقع، فالعولمة والمركز والأطراف والبحث في مضمون التكافؤ، والتابعية والاختراق الاقتصادي والغزو الثقافي، تبقى بمثابة الإثقال على المجمل من الفعاليات التي تتصدر الواقع العربي، فيما يبقى التحدي بمثابة المضمون الغائب الحاضر، والذي يتم تفعيله في حدود الحلقة المفرغة، تلك التي لا تتوانى عن استنساخ المعنى القديم والسعي نحو توظيفه في سياق ومجال، لا يبرز فيه سوى الاستناد إلى القتامة والتشاؤم، بل والسعي نحو تشويه معنى الصيغة العميقة التي يقوم عليها مفهوم التحدي، ذلك الذي يفترض استدعاء مضمون القدرة على المواجهة العميقة والأصيلة، في الوقت الذي يتم من خلاله تبديد الجهود عبر تحميله المزيد من الانجراحات والتقمصات المجزوءة. كيف يتم الوعي بمضمون العلاقة القائمة بين المستقبل والتحدي، من دون الولوج المباشر في المفردة الصريحة والمفخمة، تلك التي يتم تداولها «تحدي المستقبل»، هل ينطوي الأمر على تقمصات اللعب في حقل اللغة، والقفز على سبيل المفردة وطبيعة وضعها في السياق الخطابي، أم أن الأمر يستدعي المزيد من القراءة الفاعلة من أجل الوقوف على تحديد «الموقع» من مجمل المخاضات والصراعات والرؤى والتصورات، تلك التي تقوم على استراتيجيات التغير والتحول، بالنسبة لهذا العام، الذي راح يوصف على أنه قرية كونية، فيما تنحسر آثار الثقافة الرقمية التي يعيشها العالم، على الواقع العربي، في إبراز ثقل التحدي وإشكالية المستقبل، حيث الإنجراح في المعنى والتلكؤ في الإنجاز والحضور الكثيف لثقل الماضي.