٭ هل تعتقدون أن القطاع السعودي مهيأ بما يكفي لانضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية؟ - دعنا لا نتكهن عمّا إذا كان القطاع الخاص مهيأ بما يكفي لانضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية، فهذا التكهن عرضة لواقع كائن فيه من الامتيازات ولديه من السلبيات لا نستطيع تحديدها بعد كما هو في الوقت نفسه لمستقبل ليس من البساطة التنبؤية لأنه يتعلق بقدرة قوانين الاستثمار وأنظمته عندنا على تصعيد نفسها لمجاراة اشتراطات البيئة القانونية للمنظمة. هذا معناه أن مدى تهيّؤ القطاع الخاص للتواؤم والتفاعل مع الإملاءات النظامية لا يتوقف عليه وحده وإنما على الأجهزة والكيانات التشريعية ومبادراتها في دعم تطلعات القطاع الخاص للمنافسة. فالمظلة القانونية الرسمية وآليات التواصل مع مؤسسات القطاع الخاص والحسم والمبادرة والمساندة المعلوماتية تشكل قوة الدفع لحركة القطاع الخاص في فضاء المنظمة، أي أن المسألة ليست ما إذا كنا مهيئين أم لا وإنما المسألة هل اننا سنقابل التحدي بالاستجابة ونصهر معدن حضورنا في حرار الخبرة والتجربة ليصبح أكثر صلابة ولمعاناً أم أننا سنتهيب من تعريض أنفسنا، فنلوذ بالهرب إلى أساليبنا وطرائقنا التقليدية في إدارة الصفقات والتنافس الرخو والتطلعات المتواضعة التي تجعلنا لا رحنا ولا جئنا. ٭ ما استعداداتكم لهذا الانضمام، وما الإجراءات التي تعملون بها لمواجهة تحديات العولمة؟ - إذا أخذ قطاع الاتصالات وجدنا أنه أحد الميادين التي لعبت دوراً بارزاً في اقتصاد العولمة. ومن خبرتي القصيرة ومعايشتي للتجربة في «موبايلي» أرى أننا لسنا غرباء في هذا الميدان. فقد سبق واتخذت المملكة قراراً بتحرير قطاع الاتصالات قبل انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، وذلك عندما قررت منح الرخصة الثانية للهاتف المتحرك والاستعداد قريباً لمنح الرخصة الثالثة للهاتف المتحرك والرخصة الثانية للهاتف الثابت. فكما ترى نحن على دراية تامة بهذه المستجدات. فنحن تقنياً وتجارياً وتسويقاً وتوزيعاً علاوة على البنية الأساسية والصيانة لا نبعد كثيراً عن مجمل التطورات الحادثة في هذا القطاع. نحن على اتصال لحظي بسبب فضيلة ثورة المعلومات إلى جانب علاقاتنا الخاصة مع زملائنا في المهنة. وسوف يبقى مجال التنافس بيننا قائماً تبعاً للعلاقة التي نبنيها نحن مع عملائنا سواء هنا في السعودية أو فيما قد نقوم به من تعاقدات مستقبلية، فمثلنا مثلهم وبهذا تدرك أن استعدادنا كان قد بدأ منذ اللحظة التي أسسنا فيها «موبايلي» ونحن بحمد الله نحقق خطوات رائعة. ولعلك متابع للنمو السريع لشركة موبايلي والذي يعد من الأسرع دولياً حيث تخطت انجازات شركة موبايلي بمراحل متطلبات الرخصة وهذا مؤشر يجيب على استفسارك. ٭ ثمة جدل يدور حول أن «العولمة» ستزيد الفقراء فقراً، والأغنياء غنى فاحشاً، ما رؤيتكم في هذا الشأن؟ - لعلك، يا عزيزي، توافقني على أن كلمة «العولمة» تثير كثيراً من الجدل والغموض ما يصح فيها قولنا العربي المأثور «سلاح ذو حدين» الطريف أن العولمة تثير حساسية عند البعض. لكني أنظر للمسألة من باب التعامل مع الأمر الواقع. فمراقبتنا تتيح لنا أن نلتقط ما يسعفنا على تطوير اقتصادنا وقوانا البشرية وصناعاتنا وأدائنا المؤسسي، وبالمثل تتيح لنا أن نرصد مصادر الخطر والسلبيات ونحاول تجنبها حتى لا تقصى العاملين عن أماكنهم وإنما نعمل على أن نصبح ثمار العولمة في الداخل عوامل لتوسيع سوق العمل وتعميقه. هذه ليست أمنية، لدينا قيمنا الدينية التي تمثل سياجاً راسخاً يحمينا من الانجراف إلى جعل العالم بازارا ترخص فيه القيم أو سوبر ماركت هائلا لنخاسة الإنسان. ديننا الإسلامي فيه ضوابط أخلاقية جوهرية لا تسمح بإهدار البشر ولا بأفقارهم بل تحض على التراحم والتآلف والتكاتف والصلاح. ٭ ما القطاعات الاقتصادية التي تعتقدون أنها ستتأثر بالانضمام، ومتى ستبدأ هذه التأثيرات؟ -لا شك أن مجمل التخوفات تحوم حول خطر إنهاك المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم، والقطاعات التي تتمتع بالحماية الحكومية مثل القطاع الزراعي. فحجم وثقل المنافسة سيكون مقاساً بالقدرات المالية والفنية وعمر التجربة والخبرة، هذه كلها عوامل محسوبة إلى حد كبير لصالح المنافس الأجنبي، لأنه سيضيف إلى امتيازاته التمتع بالتسهيلات والامتيازات التي تقدمها له الدولة بحكم قانون الاستثمار الأجنبي مثل الأراضي وتوفير الخدمات والقروض والمواد الأولية، ولذلك فإنه يتوقع حدوث آثار سلبية على قطاع الحاسبات الإلكترونية وقطاع المنتجات الكيماوية نظراً لشدة لمنافسة مع الشركات الأجنبية إلا أنني أحب أن انظر إلى الجانب المضيء من القمر بدلاً من الجانب المظلم، فقد يكون في دخول المنافس الأجنبي حافز اجباري للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتي تحصل على الدعم والحماية في بلادنا لكي تعيد ترتيب بيتها إما بإعادة هيكلة نفسها أو بالاندماج مع بعضها البعض لتكوين كيانات أقوى وأقدر على المنافسة. أما متى ستبدأ التأثيرات فهذا أمر تحكمه أنظمة التجارة العالمية والاتفاقيات الثنائية مع الدول ولكن لعلك تلمح في سوقنا المحلي كيف أن البضائع والأسعار والأشخاص والخدمات لم تعد كما كانت مما يعني أن الرياح بدأت تهب. ٭ بالطبع ستخوض شركتكم كونها رائدة في مجالها هذا التحدي، ما نوعية المشروعات التي تودون طرحها، وما آليات عملكم التي تعتزمون القيام بها؟ - في إجابتي لكم عن استعداداتنا للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية أشرت إلى أن التحدي المفروض علينا كشركة اتصالات هو مقارب ومماثل لما هو عند شركات الاتصالات في الدول المتقدمة أيضاً، وبالتالي فمشروعاتنا وآلياتنا هي لن تخرج عن الحرص على تقديم أفضل تقنيات الاتصال وخدماتها والأسعار المغرية والمنتجات والخدمات. ولا أستطيع أن أحدثك عن مشاريع بعينها لأنها من النوع الذي يخضع للتوقيت المناسب، أما الآليات، فكما ذكرت لك نحن نحاول شحن أنفسنا بالمهارات المهنية العالية على ضوء الخبرة العالية من خلال التطبيق الفعّال منها وتزويد موظفينا بها عبر الابتعاث والدورات باستمرار، وعبر التعاون واللقاءات البينية. ٭ هل تعتقدون أننا تأخرنا في الانضمام إلى المنظومة العالمية، وما تأثيرات هذا التأخر؟ - تأخرنا؟ هنا يمكن القول «رب ضارة نافعة» أو «كل تأخيرة فيها خيرة»، فما أنجزه غيرنا من اتفاقيات ثنائية في ظل دخولهم المبكر إلى المنظمة قبلنا ميزة لهم قد يتفوقون علينا بجزئيات تبدو أنها تعمل لصالحهم أكثر مما تعمل لصالحنا، لكن فريق التفاوض في فحصه ودراسته لتلك الاتفاقيات وما انطوت عليه من امتيازات اكتشف أنها امتيازات بقدر ما هي جيدة لهم إلا أنها فيما يخص طبيعة مكونات اقتصادنا لا تشكل خسارة لنا... أكثر من هذا، لعب التأخير دوراً جيداً لصالحنا لأنه زودنا بتراث ناجز من المفاوضات الثنائية أفاد منها الفريق السعودي المفاوض كذخيرة معرفية مكنته من توظيفها في الوصول إلى نصوص اتفاقية متميزة مع مختلف الدول. ٭ تسعى الشركات العائلية إلى التحول إلى شركات مساهمة بالتزامن مع دخول المملكة إلى منظمة التجارة، كيف ترون هذه الخطوة؟ - الشركات العائلية تشكل نسبة عالية من الشركات العالمية وتسهم بشكل كبير في الناتج القومي وتوظف نسبة عالية من العمالة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد أثبتت الدراسات أن نسبة عالية من الشركات العائلية تبدأ في التفكك ابتداء من الجيل الثالث أو الرابع نتيجة للخلافات التي تظهر بين أفراد العائلة. ويسري على الشركات العائلية ما يسري على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فالشركات العائلية دون بنية قانونية مؤسسية واضحة تفصل بين الملكية والإدارة تحولها إلى مساهمة لن تقو على الصمود كثيراً وسيذوب قوامها وتخسر كثيراً من قوتها، هذا إذا لم تضمحل. سواء أصرت الشركات العائلية على عدم التحول إلى شركات مساهمة أم لم تصر، ولو أن البعض يرى الإبقاء على الشركات العائلية ووضع تنظيم إداري عصري يحدد المسئوليات والصلاحيات ولكني أرجح تحويل الشركات العائلية إلى شركات مساهمة وتكون البداية مقفلة. وهذا يعتبر نوعاً من أنواع الشركات ويتماشى مع رغبات بعض العائلات بأن تبقى الملكية في نطاق العائلة، أرى أنه قد فات أوان الخيار، فما من طريق سوى تحولها إلى مساهمة، كان هذا واضحاً من عشرين عاماً، والتأجيل والمماطلة فوت على تلك الشركات فرصا استثمارية كبرى كان بالإمكان أن تكون اليوم حديثا آخر، وكل تأخير في التحول إمعان في الخسارة. ٭ هل تعتقدون أن الاندماج والتكتل سبيل إلى مواجهة التحديات الاقتصادية الجديدة، وما السبيل لتحويله إلى واقع فعلي في منشآت القطاع الخاص؟ - الاندماج والتكتل ليس دائماً وصفة إعجازية كما قد يرى البعض تحقق النجاح فوراً. هناك مؤسسات تملك القدرة على النفاذ والمنافسة وحدها وقد تضعفها الاندماجات أو التكتلات الشكلية فتكبير الهياكل قد يفاقم ضعف الأداء الإداري أو يشيع إحساساً بالاتكال وباللامبالاة. ليست المسألة فرضية ضامنة للنجاح، التكتل والاندماج مهم وجوهري حينما تتوافر المقومات التي تخرج بالكيان الجديد في حلة أزهى وقدرة أكبر على الإنتاج والمنافسة. هذه شروط لا محيد عنها وإلا سينطبق عليها المثل الشعبي لو أقدمت على الدمج الشكلي «التم المتعوس على خايب الرجا». ٭ قوانين الاستثمار الأجنبي في السعودية هل تعتقدون أنها منفرة أم جاذبة، وكيف يمكن تطويرها لاستقطاب الرساميل الأجنبية؟ - تحدثت لك عن أن التحدي الذي فرض على القطاع الخاص السعودي موكول في شقه القانوني والرسمي على الأجهزة التي أنشأتها الدولة لدعم الاستثمار مثل المجلس الاقتصادي الأعلى، الهيئة العامة للاستثمار، الهيئة العليا للسياحة، مجالس الغرف التجارية والغرف نفسها وغيرها، وأشرت إلى أن قوانينا سواء كانت «منفرة أم جاذبة»، على حد تعبيركم فلا سبيل لاستخلاص مدى النفور أو مدى الجذب إلا في معترك المنافسة في ظل سوق منظمة التجارة العالمية. هذا لا يعني أنني أميل إلى أن قوانيننا الاستثمارية لا تملك الكفاءة أو أنها تعاني سلبيات كثيرة، بقدر ما يعني أننا لا بد أن نختبرها على ضوء التجربة، تماماً مثل أي أداة لا يمكن الحكم على فاعليتها إلا بالتجربة التي استدلنا على الخلل فيها لإصلاحه وتدلنا لو كانت صالحة على كيفية زيادة كفاءتها. ٭ العقلية الاستثمارية السعودية بشكل عام هل تعتقدون أنها متواكبة مع التطورات الاقتصادية الحالية؟ - أنا أحسن الظن بأهلي وعشيرتي، وأنظر إليهم بقدر كبير من التقدير والاحترام وأزعم أن لديهم ملكات وقدرات كافية لم يستثمرها البعض بعد، والسنوات الماضية أبرزت أجيالاً من القدرات الشابة المدهشة في القطاع الصناعي والزراعي والخدمي وفي القطاعين المالي والمصرفي. صدقني، أنا فخور بالعقلية السعودية، فعمر تجربتنا التنموية قصير المدى قياساً بغيرنا من الدول، ومع ذلك أنت ترى قوى بشرية مشرفة تدير مشاريع استثمارية كبرى ناجحة بذهنية بارعة وروح رائعة. كانت كذلك مع تمرسها إبان الطفرة الأولى، وقد اشتد عودها وازدادت صلابة ومتانة مع مضى الوقت وتخرج على إياديها جيل وبعده جيل في غضون ثلاثين عاماً. ألا يثلج صدرك هذا الأداء؟ تحدثني عن المواكبة وأحدثك عن المنافسة وهم الأجدر عليها. أشد على أياديهم. وأسأل الله التوفيق للجميع.