لا أدري لماذا سميت بطالة ولم تسم عطالة، لأن الذي لا يعمل يطلق عليه وصف عاطل، والذي يمكن أن يعرف بأنه الذي لا عمل لديه، وقد بحث بجدية عن عمل خلال عدد محدد من الأيام الماضية، أو ينتظر لاستدعائه لعمل بعد الاستغناء عن خدماته، أو ينتظر لإبلاغه عن عمل جديد خلال عدد محدد من الأيام. هذا التعريف يفهم منه وجود خلافات في تحديد معنى البطالة. مثلا تحديد الحد الأدنى لعمر الشخص المقصود بالتعريف، أو تحديد عدد الأيام الماضية يؤثر في تقدير عدد العاطلين. تحدث البطالة لأسباب مختلفة، تحدثت عنها في المقالة السابقة، وهناك سبب من نوع مختلف ولذا لا يبحث عادة عند الحديث عن البطالة، وهو استيراد اليد العاملة، وبمعنى آخر هناك استغناء عن توظيف أعداد من أهل البلد، رغم توفر المقدرات لديهم للقيام بأعمال بسبب أن الوظائف المفترض حصولهم عليها أعطيت ليد عاملة مستوردة. إذا كان استيراد اليد العاملة الأجنبية وهو المعبر عنه بالاستقدام سهلا نسبيا، وبتكلفة على المنشآت يصعب على اليد العاملة الوطنية أن تجاريه، فإنها تعد إغراقا لسوق العمل، تماما مثل الإغراق في سوق السلع، الناشئ طبعا من الاستيراد. أما من حيث آثار البطالة في المجتمع وعلى الاقتصاد فإنها تتوقف على نوع وحجم البطالة السائدة. فمن الواضح انه كلما زاد هذا الحجم كلما كانت الآثار أكثر بعدا وأعمق ضررا على الفرد والمجتمع على السواء. وتتلخص آثار البطالة فيما يلي: 1- نفقة البطالة: خسارة المجتمع بسبب تعطل عدد من أفراده مساوية لنقص المنتج من السلع والخدمات مقدرة بقيمتها المالية، أي أن نفقة البطالة تقدر بقيمة السلع والخدمات التي كان سينتجها المتعطلون لو لم يتعطلوا، وبناء على ذلك فإن هذا النقص يساهم في انخفاض الدخل الوطني، ومن ثم تساهم البطالة في الحد من انخفاض النمو الاقتصادي المستهدف. يضاف إلى ما سبق العبء المالي والإداري الذي يقع على عاتق الحكومة أو الهيئات العامة حيث نجدها مضطرة إلى دفع الملايين 2- فترة البطالة: كلما طالت فترة البطالة، كلما أدى ذلك إلى نقص في مهارة وقدرة العامل على العمل والإنتاج. 3- الضرر الاجتماعي والأمني: وهذا من حيث المبدأ معروف، ولكن الدخول في تفاصيله ليس من شأن الاقتصاديين. 4- الضرر الإنتاجي: هناك ارتباط بين معدل البطالة وما يسمى بفجوة الناتج المحلي الإجمالي، أو انحراف الناتج الكلي من حالة التوظيف الكلي. قام الاقتصادي آرثر أوكن بتحديد العلاقة بين الاثنين بما سمي قانون أوكن. يقرر القانون أنه لكل واحد في المئة انخفاض في البطالة الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي سيزداد بما قدره 2,5 في المئة. أما من حيث سبل تخفيف البطالة فإن مشكلة البطالة المستوردة تتطلب تدخل السلطات، حماية للموارد البشرية الوطنية. هذه الحماية لا تقل أهمية عن حماية السلع الوطنية. ولإعطاء حماية ضمن مبدأ لا ضرر ولا ضرار، فإنه يفترض أن تبنى الحماية على سياسات مستندة إلى تفاصيل عن سوق العمل، مما يعني من ضمن ما يعني لزوم توفر معلومات لدى الجهات المعنية (وزارات العمل، مثلا) عن اليد العاملة الوطنية، تأخذ في اعتبارها وجود فروقات في الأعمال، وفي الحقوق، وفي المقدرات، وفي الأعداد والخبرات بين القوى العاملة الوطنية وغير الوطنية، وبناء على هذه الفروقات ونحوها تقرر درجات الحماية، ويجب أن تطبق تدريجيا على مدى سنوات كثيرة مراعاة بغرض تقليل الأضرار الناشئة من تغيير أوضاع تأقلمت على عمالة غير سعودية عبر عقود، وهي أوضاع يتطلب تغييرها بالتدريج. بعض الدول تضع حدودا أو قل تقرر عددا محددا من المسموح باستقدامهم من كل دولة، خلال العام الواحد. وبعض الدول تطلب معلومات وإثباتات تدل على أن السوق المحلية لا تفي بحاجة صاحب العمل، لأعمال محددة، أي أن هذا الأخير بحاجة إلى استيراد يد عاملة من خارج الدولة في مهنة أو مهن محددة. السياسات التي تبنتها الحكومة السعودية بغرض خفض اليد العاملة غير الوطنية، وتخفيف احتقار بعض المهن، ستساعد على تقليل البطالة. ولكن مدى نجاح هذه السياسات مرتبط بنجاح سياسات وتشريعات أخرى متعلقة بسوق العمل مثل التعليم والتدريب وإعادة توزيع القوى العاملة، والإصلاح الإداري الحكومي، وكذلك مرتبط بارتفاع مستوى الوعي بأخلاقيات وواجبات العمل، بغض النظر عن المهنة أو صاحبها. كثير من الدول أصدرت قوانين تلزم الحكومات باتباع سياسات تؤدي إلى زيادة أو رفع مستوى التوظيف. مشكلة تطبيق تلك السياسات يرجع إلى وجود عدة نظريات في تفسير سبب وجود البطالة. وكل تصور نظري لأسباب البطالة يحمل معه سياسات مقترحة لخفض معدلات البطالة. وأكثر هذه الوصفات المقترحة لا يتناسق بعضها مع بعض. استحداث الوظائف مهم لرفع مستوى التوظيف، ولكن الاستحداث مرتبط بنمو الاقتصاد، إذ كيف تستحدث وظائف بدون وجود توسع في الاقتصاد، وهو ما يعبر عنه بنمو الاقتصاد. وهذا يعني أن المدخل الجوهري للحل هو نمو الاقتصاد. النمو الاقتصادي موضوع شائك، وخارج نطاق هذه المقالة، لكنني أشير إلى أن النمو الاقتصادي يعتمد اعتمادا أساسيا على الاستثمار، وتحديدا على حسن اختياره أو كفاءته. إلى جانب الاستثمار نفسه، هناك سياسات تساعد على تحسين جاذبية وعائد الاستثمار، وزيادة التوظيف وقد سبق أن أشرت إلى بعضها في هذه المقالة، وبالله التوفيق. ٭ متخصص في الاقتصاد الكلي والمالية العامة Email:[email protected]